ماذا يفعل الحب؟
أعرف رجلاً أحب فعشق فتيم فذاب فأصبح هيكلاً عظميا بانت منه المرافق وريش الصدر، وكاد أن يموت ويهلك عشقا وانهيارا وانحلالا، فكانت أخبار المعشوقة إذا وصلته يصاب بنوبات إغماء، حتى سارعت أنا فتدخلت فأنقذته من الموت، فهو صاحب عائلة الآن رزق بابنة وابن في غاية الجمال والنجابة.
وهو أمر يحدث وليس للنكتة، ويومها كنا نقرأ رسائله فنبكي معه، حتى تحول البيت عندي إلى كفن وعزاء وتابوت، فقلت لزوجتي زوجيه على أية صورة، ثم فرج الله عليه فتزوج وأنجب، فإذا قابلته سألته أين وصل الحب؟ قال: زاد أضعافاً ؟!
وأنا لا أصدقهم كثيرا؛ فقناعتي أنه متى حصل الزواج، ذهب المرض وانطفأت اللوعة، ومتى التقت الأجساد تبخرت العواطف، إلا في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح.
فإذا توافر الانسجام الفكري، والهدف المشترك بين الزوجين، ازداد حبهما كل يوم درجة، وهو خطر وسمو ومتعة!!
متعة لأنه ليس بعده متعة في هذه الحياة الفانية، وخطر لأن الموت إذا خطف؛ زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها، وهو ما جرى معي في خسارة أحب الناس إلى قلبي.
وفي قصة روميو وجولييت دليل على ذلك ،فقد تعانقا في الحب والآخرة، فماتا في كفن مشترك، وتابت العائلتان المتعاديتان عن خصام دام قرنا، من أجل حب طاهر جمع بين قلبين.
وقد مثلت القصة فيلما؛ فمن استطاع أن يملك قلبه وجداول دموعه فلينظر إلى الفلم، وإلا فليوفر جفاف العقل في الأبحاث، لأن ينابيع العواطف إذا انبجست، كانت تسونامي مغرقا، وبركانا محرقا، وهو ما حدث معنا مع خسارة أحب الناس إلينا داعية السلام السعيدة الطاهرة ليلى سعيد.
ويجب أن لا نستخف بهذه القصص فسور الصين أصبح دكاء وسقط؛ فاجتاحته الذئاب البشرية المنغولية، من وراء قصة حب، بين جنرال ومحظية.
وأسرار الجيش الفرنسي طارت للألمان على يد الرقاصة المشهورة الهولندية (ماتا هاري) في الحرب العالمية الأولية ثم أعدمت.
وأسمهان عشقها الكثير وغنت البديع ولكن نهايتها ذهبت أدراج الرياح بمغامرات الجاسوسية فماتت غرقا في ترعة النيل..
وهناك عشق من النظرة الأولى، وهي أبحاث في كيمياء الحب معروفة، وهناك من يعلق من أول لقاء وهناك من ينفر من الدقيقة الأولى، عرفه من عرفه وجهله من جهله.
وهناك كما يقول ابن حزم عشق بالسماع، ومن أراد أن يعرف عجائب هذا العالم فليراجع كتابين (طوق الحمامة) لابن حزم، و(أصول الدافع الجنسي ) لكولن ويلسون.
وأمام هذا الأمر ليس من أحد محصن ضده أو عنده لقاح تجاهه! بمن فيهم العلماء، ولقد قرأت من قصصهم الشيء المحير.
وقد يتعجب المرء لو علم أن الفلاسفة يحملون أمرين متناقضين؛ هما نشاط جنسي عارم، وفرامل عقلية جبارة، وهناك من يصاب منهم بالأمراض والقرحات والعقد، فيخفيها حتى تكشفها حالة بطن حادة مستعجلة، من انسداد بوابة المعدة، فوجب لسكينة الجراح أن تكشف غامضه، وتعالج مستعصيه!
وفي فيلم (شاب إلى الأبد) بقي الفتى يحفظ الحب حتى بلغ الثمانين، بعد أن حيل بينهما، ووضع في قالب بارد مجمد، ما يشبه درجة الحرارة في القطب الجنوبي، مبردا 54 درجة تحت الصفر، ولمدة نصف قرن من الزمان، ليخرج من الأجداث الجليدية، وهو يرتعش بردا وعجبا، وفي النهاية اجتمع بمن يحب؛ فكانت أول كلمة يقولها شيخ فان لعجوز واهنة: هل تتزوجينني؟
وقصة الحب في زمن الكوليرا بين العجايز مشهورة ومعروفة.
وفي جريدة "الاقتصادية" قرأت خبر شيخ الثمانين، الذي نقل له خبر موت زوجته العجوز؛ فتناول بارودة الصيد؛ فأفرغها في رأسه، لاحقا المحبوبة بعد عشرة ستين سنة، فلا حياة بعد حياة الحب، ولا شبع من المحبوبة ولو لقرون. وفي الدار الآخرة لا شبع ولا فراق.
ماذا يفعل الحب؟وأنا إن اجتمعت بحبيبة قلبي ليلى؛ فسأقول لها؛ كما قال أوديسوس لبينلوبي بعد غياب عشرين سنة، شاردا ضائعا هائما على وجهه بعد ملحمة طروادة: الآن سنبدأ حياتنا صدقا وعدلا وحبا وقربا بدون منغصات، ونقول الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور.