كسر القوانين الجائرة

جاء في القرآن الكريم في أول سورة أن كسر أعتى القوانين وأشدها إجحافا وظلما يتم بعدم الطاعة؛ «كلا لا تطعه واسجد واقترب».
وأن الطاغية والطغيان لا يعالجان بالقتل والسلاح والمدافعة بالمدافع، بل بأسلوب بسيط غير مكلف هو عدم الطاعة، وتبقى تكلفته لا تقارن بسفك الدماء والعداوات. وأول غلطة ارتكبها الدستور الأمريكي، أنه وضع في البداية حق الإنسان في الحياة والحرية والرفاهية، ثم أخطأ خطأ مبينا مرتين؛ حين قال بحقه في الثورة المسلحة على الظلم والقوانين الجائرة، ونسي ثانيا أن يقول ما واجبات المواطن الصالح.
وحاليا تحررت أمريكا بحرب أهلية مدمرة، أتبعتها بحرب أهلية مدمرة، وقد تنتهي أمريكا بحرب أهلية مدمرة! «وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا».
أما كندا فانفصلت مثل أمريكا بغير حرب وضرب، واستقلت عن بريطانيا دون حرب وضرب، وعاشت وما زالت دون حرب أهلية وخراب ودمار، وهي تتقدم للعالم بالغذاء والسلام، وتحتوي سكانا من أقطار المعمورة الأربعة من 3000 ملة ونحلة ودين وطائفة دون أن يقتلوا بعضهم مثل العراقيين والأكراد والفلسطينيين والإيرانيين!
لقد اعتاد الناس سماع نغم قبيح؛ يقول إن الحقوق تؤخذ ولا تعطى.
ومشى الشعر الهائم المجنون خلف الخطأ؛ فجعل الخطأ مضاعفا ودمويا؛ فقال: وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق!!
وغاندي يقول ومالك بن نبي يؤكده، أن الحقوق لا تؤخذ ولا تعطى، ولا تحتاج للدماء، بل هي ثمرة طبيعية للقيام بالواجب.
وأنا في رحلة تخصصي فاتتني الحقيقة، وفي معمعة الحياة ننسى هذه الحكمة الباهرة؛ كنا نريد أن نسلم مزيدا من العمليات في تخصصنا، ولكن لو أغلقنا الأفواه عن المطالبة، وغرقنا في عرق ممارسة الواجب فسوف نسلم ويزيد. والله يضع قانون الشكر أنه يزيد.
«وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد»!! «وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد».
ومن فهم الطبيعة الإنسانية تماما ليس ديفيد هيوم، بل الأنبياء ومن سار على دربهم مثل غاندي ومالك بن نبي ومارتن لوثر كينج وعبد الغفار خان، فقالوا: إن كسر أشنع القوانين الظالمة بعدم طاعتها، وإن الطاغية بشر ممن خلق الله، ويمكن إصلاحه بالطريقة التي نزلت فيها سورة العلق، كذلك قصة الرجل المؤمن في سورة غافر، الذي كتم إيمانه ثم أعلنه في المرحلة الحرجة، فنجاه الله، وسلط العذاب على فرعون والبطانة والعصابة.
«فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود».
وفي سورة «هود» لفت نظري دوما أن كل النهايات للأنبياء، ومن تابعهم وراهن على دعوتهم كانت له النجاة أيضا، وكانت العاقبة وخيمة مدمرة لمن عصى.
«ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيّناهم من عذاب غليظ. وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد. وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة، ألا إن عادا كفروا ربهم، ألا بعدا لعاد قوم هود».
الرسالة من هذا الكلام إذن؛ أنه حين تصدر القوانين من فوق، ولا تستشار فيها الأمة من تحت، أن يقوم نفر من الأفراد الشجعان فيتحدون القوانين التي ما أنزل الله بها من سلطان أو افتراها البعض على الله باسم الله، مثل تحدي فتية أصحاب الكهف، «إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا، هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بيّن فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا». وحين أراد غاندي كسر قانون الملح، سار بمن معه حتى البحر، ثم بدأ بكسر قانون احتكار الملح لبريطانيا! فماذا فعلت بريطانيا؟ ترددت ثم اعتقلت ثم اعتقلت، ولكن عمليا كان غاندي قد شق طريقا جديدا، في التغيير الحضاري مكونا من ثلاث فقرات:
ـ غير نفسك تغير التاريخ.
ـ يكسر أي قانون بعدم الرضوخ له.
ـ لا يقتل أي طاغية، بل يعصى في المعصية، ويطاع في الطاعة؛ فيتآلف المجتمع بالحب والرحمة، ويزول الحقد والطغيان.
إنها رسالة ومن القرآن والتاريخ والفلسفة وكتب النبوات، ولكن بين العرب وفهم هذه الحكمة من تراثهم غشاوات وضلالات، ومفاهيم معيقة، وتراث أثقل من نجم نيتروني.
هل تعلمون ما النجم النيتروني؟ إنه ذرات ليس فيها فراغات، وزن الملعقة منه أثقل من جبل إيفيرست!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي