الفجوة التنموية العربية.. واقع يستحق التغيير

لكي تُوصف التنمية بالواقعية عليها أن تستمد أفكارها ورؤاها من الواقع العربي المعاش وتستشرف المستقبل من منطلقات علمية مبنية على نظريات واضحة المعالم وسهلة التطبيق. تشير الإحصاءات إلى أن تعداد الوطن العربي بلغ 326 مليون نسمة عام 2007 بزيادة مقدارها 7.6 مليون نسمة على عام 2006، إلا أن هذا النمو يعد من المعدلات العالية، ما يضع الكثير من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والخدمية على الحكومات، ويشكل عبئاً إضافياً على موازينها، لكن الملاحظ أن بعض السياسات الخاصة بتنظيم الأسرة قد أثمرت بحيث تراجعت معدلات النمو السكاني السنوية، ما أدى إلى تحسن الخدمات الاجتماعية، والصحية، والترفيهية بشكل عام.
بنظرة سريعة على أداء الاقتصادات العربية كما ورد في تقرير صندوق النقد العربي، نلحظ التباين الكبير في أدائها، ففي حين نجد مجموعة من دوله اعتمدت وبشكل رئيس على النفط والصناعات المتعلقة به، فهي دول مصدرة للمواد الأولية حيث النمو الاقتصادي فيها قائم على الإيرادات المتحصلة من هذه الصادرات كالغاز، والنفط، الفوسفات.. إلخ. دول أخرى استخدمت سياسة إحلال الواردات، التي سارت في ركابها بعض الدول العربية، منها مصر في محاولة منها زيادة الإنتاج المحلي على حساب المستورد على أمل الوصول إلى الصناعات الثقيلة كخطوة لاحقة، واستمرت هذه السياسة إلى السبعينيات الميلادية عندها انحرفت بوصلتها وتوجهت غرباً من خلال التحول التدريجي إلى نظام السوق حتى يتمكن الاقتصاد المحلي من التوزيع الصحيح لموارده، وذلك نتيجة الظروف العالمية الاقتصادية في ذلك الوقت. يطلق على هذه السياسة «سياسة الباب المفتوح» ومعناه تحالف الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات مع الشركات المحلية من أجل توفير احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات.
الناتج المحلي الإجمالي العربي بلغ نحو 1472 مليار دولار بالأسعار الجارية عام 2007، هذا الارتفاع مرده إلى زيادة الإيرادات النفطية العربية، بينما تراجع بالأسعار الحقيقية بمقدار 5.6 في المائة بسبب ارتفاع تكلفة الواردات بعامة وكذلك تباطؤ النمو في الدول العربية بعد الانتعاش الذي تحقق منذ 2002. أما النمو الحقيقي للناتج الوطني فقد تراجع في أغلب الدول العربية ماعدا السعودية، البحرين، قطر، ولبنان، حيث شهد الاقتصاد السعودي تحسناً نتيجةً الأداء الجيد للقطاعات غير النفطية، ما يعكس النجاح النسبي لتنويع القاعدة الإنتاجية. أما بالنسبة للهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي، فقد حافظت الصناعات الاستخراجية والتعدينية على نسبة مرتفعة فيه، حيث وصلت إلى 39.8 في المائة عام 2007، أما الإنفاق الاستهلاكي فقد ارتفع ليصل إلى 58 في المائة من الناتج المحلي للعام ذاته.
من جانب آخر، فقد بلغت قيمة الصادرات العربية من السلع والخدمات نحو 887.4 مليار دولار، بينما ارتفعت قيمة الواردات من نحو 510 إلى 617 مليار دولار عام 2007، وتُعزى هذه الزيادة إلى انتعاش الاقتصادات العربية وكذلك فاتورة الواردات ومن ثم التأثير السلبي في الحسابات الجارية وموازين المدفوعات.
أما على مستوى المالية العامة، فقد حققت الدول العربية النفطية فوائض، وإن كانت أقل من السنوات السابقة، بينما غالبية الدول العربية ارتفع فيها العجز الكلي، مع ملاحظة تباين الإنفاق تبعاً لهذه الفوائض، فبينما وظفت دول الفائض إنفاقها على مختلف البرامج التنموية أسهمت المجموعة الأخرى بتوظيف العوائد المتحققة في التخفيف من ارتفاع مستويات المعيشة وآثار الضرائب. من جهة ثانية، بلغ إجمالي قيمة الناتج المحلي لقطاع الصناعة عام 2007 نحو 724 مليار دولار مقارنة بـ 643.3 مليار دولار عام 2006، أي نمو بحدود 12.5 في المائة، أما بالنسبة للصناعات التحويلية فقد ارتفعت من 121 مليار دولار عام 2006 إلى نحو 139 مليار دولار عام 2007، بمتوسط نمو مقداره 13.2 في المائة بين عامي 2002 و2007، بينما بقيت مساهمتها في الناتج المحلي بحدود 10 في المائة، وهذا يؤكد عمق مساهمة الصناعة الاستخراجية من النفط والغاز والتعدين. يستوعب القطاع الزراعي نحو ربع القوى العاملة العربية، ومع ذلك فالأراضي المستخدمة للزراعة لا تتعدى 36.2 في المائة من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة عام 2006، حيث يعتمد 79 في المائة منها على الأمطار. أما نسبة العاملين في القطاع الزراعي فقد تراجعت إلى 27.7 في المائة من إجمالي العمالة عام 2006 بسبب انخفاض الاستثمار الزراعي والهجرة من هذا القطاع إلى المدن نتيجةً نقص الخدمات. بلغت قيمة الناتج الزراعي 89.8 مليار دولار بالأسعار الجارية عام 2007، أي بنموٍ مقداره 6.9 في المائة بين عامي 2000 و2007. من قراءتنا للمعطيات السابقة نلاحظ بعض نقاط الضعف والخلل في التنمية الاقتصادية على المستوى العربي: أولها إمكانية تحقيق نمو سريع نتيجةً ارتفاع أسعار السلع الأولية كالنفط والغاز وهذا ليس مرده لأسباب جوهرية تنموية كالتحول المؤسساتي أو إلى التغيرات الهيكلية السياسية، الاجتماعية، والتكنولوجية، وفي هذا المقام قد لا يعكس متوسط دخل الفرد واقع التنمية الحقيقي. ثانيهما، تزايد أهمية قطاع التصدير من السلع الأولية وارتفاع مساهمة القطاع الخدمي مع تضاؤل مساهمة الصناعة والزراعة في إجمالي الناتج الوطني وهذا مخيب للآمال المرجوة لتنمية صناعية تؤدي إلى تنويع القاعدة الإنتاجية.
أخيراً، التنمية هي أُحادية الجانب، فكل بلد وإمكاناته المادية دون التنسيق الوحدوي التكاملي من خلال الجامعة العربية، لكن تبقى الطموحات التنموية العربية رهينة القرارات السياسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي