كيف نقرأ مستقبل الاقتصاد العالمي في 2025؟

مما لا شك فيه أن 2024 كان قاسيًا على الاقتصاد العالمي. حيث عانى العالم أوضاعا جيوسياسية متقلبة، وأسعار فائدة مرتفعة دفعت كثيرا من الاقتصادات نحو الانكماش. ومع الاقتراب من نهاية العام ظهرت بوادر لتجاوز الصعوبات، سواء كانت اقتصادية أو جيوسياسية. مع عدم إغفال العقبات المحتملة التي قد تدفع للدخول في أزمات جديدة تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. سيدخل الاقتصاد العالمي 2025 بجرعة من التفاؤل مدعومة باستمرار البنوك المركزية العالمية في خفض تكاليف الاقتراض. فقد خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في 3 مناسبات خلال النصف الثاني من 2024، لتصل إلى 4.5% مقارنة بـ5.5% في بداية العام. صار البنك المركزي الأوروبي والبنوك الأخرى في العالم على النهج نفسه وقاموا ببدء دورة التيسير النقدي. مع توقعات بأن تستمر السياسة خلال 2025 تجاه مزيد من الخفض مع اقتراب التضخم من المستويات المستهدفة.

سيكون لخفض الفائدة أثار إيجابية على الاقتصاد. حيث ستدفع تكاليف الاقتراض المنخفضة إلى تعزيز الطلب والإنفاق الاستهلاكي للأفراد بما يسهم في تنشيط الاقتصاد المتباطئ وتحسين مستويات التشغيل. الإشارات الإيجابية لن تكون من السياسة النقدية فقط، وإنما ستمتد إلى السياسة المالية. حيث تشير التوقعات إلى تبني الحكومات سياسات مالية أكثر انفتاحًا خلال 2025، وذلك عبر استخدام أدوات مختلفة تشمل خفض الضرائب سواء على الاستهلاك أو الإنتاج. إضافة إلى خطط لتعزيز الإنفاق على المشروعات الحكومية مثل البنية التحتية. بجانب زيادة الدعم الحكومي سواء لقطاع التصنيع أو القطاع العائلي والأسر.

ستكون لخطط التحفيز المالية أثر مباشر في دعم الاقتصاد وتنشيط الطلب وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، بما يسهم في استعادة النمو لزخمه من جديد وبالأخص في الاقتصادات المتقدمة قطاع الخدمات الذي كان المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة من المتوقع أن يستمر في نموه القوي خلال 2025. على سبيل المثال ووفقًا لاتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) فإن عدد المسافرين حول العالم خلال 2025 ستتجه لتسجيل مستوى قياسي يبلغ 5.2 مليار مسافر بمعدل نمو يصل إلى 16% مقارنة بعام 2024. مدعومة بشكل أساسي بنمو الطلب على خدمات السياحة والسفر.

لكن التوقعات الإيجابية تقابلها مخاطر وعقبات عدة خلال العام. البداية من الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة. ففي حالة استمرارها سواء في الشرق الأوسط أو بين روسيا وأوكرانيا فإن ذلك يعني استمرار المخاطر التي تواجه سلاسل الإمداد والتوريد العالمية وتأثر قطاع الشحن وحركة التجارة بما ينعكس في النهاية على معدلات التضخم.

العقبة الثانية تتمثل في ارتفاع النزاعات التجارية، خاصة بعد صعود ترمب للرئاسة في الولايات المتحدة. حيث ستدفع الحمائية التجارية وفرض التعريفات الجمركية على السلع بشكل عقابي إلى تأثير مباشر في حركة التجارة ومعدلات التضخم. سيمتد الأثر إلى القطاع الصناعي والإنتاجي نظرًا لتأثر سلاسل الإمداد اللازمة للصناعات بالتعريفات الجمركية. الأثر سيكون أكبر في حالة قررت الدول اتخاذ إجراءات عقابية بمنع أو حظر أو فرض قيود على تصدير سلعة مهمة تمتلك فيها ميزة نسبية في الإنتاج إلى وجهات معينة.

العقبة الثالثة تتمثل في الارتفاع الملحوظ في مستويات الديون للحكومات وما تشكله من خطر على الاستقرار المالي لعديد من الدول سواء المتقدمة أو النامية. فقد وصل الدين العام العالمي في 2023 إلى 97 تريليون دولار مقارنة بـ73 تريليون دولار في 2019. هذه المستويات من الديون تثقل كاهل الحكومات بمزيد من الأعباء، وتلقي بضغوط على الاقتصاد. حيث تبتلع فوائد الديون جزءا كبيرا من الإيرادات الحكومية. ينعكس ذلك بشكل مباشر على أولويات الإنفاق الحكومية.

ختامًا يدخل الاقتصاد العالمي 2025 بتوقعات متفائلة في ظل تطورات إيجابية تتعلق بتغيير السياسات الحكومية سواء نقدية أو مالية. ولكنها تواجه مخاطر محدقة مرتبطة بالتوترات التجارية والجيوسياسية. لذلك سيكون العالم خلال العام المقبل في حاجة إلى تكاتف وتكامل للجهود التي تساعد على تعافي الاقتصاد وتجنبه مزيدا من التعثر.


الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي