علينا أن نعمل حسابا للمستقبل

علينا أن نعمل حسابا للمستقبل، بين سكان يتكاثرون، وماء من باطن الأرض يستنزف، وبترول محدود يستنفد. أنا لست متشائما ولكنني حذر! وأعظم استثمار وأهمه هو الإنسان. أنت مستهلك ولست منتجا. الاهتمام بالادخار بجنب الاستهلاك. الحاجة لبناء رأسمال جديد وأهمه الإنسان والفكر الاستراتيجي. أرامكو مثل الصندوق الأسود. والخزن الاستراتيجي هو نقل البترول من مستودعات الرحمن المحفوظة في طبقات الأرض منذ مليون سنة، إلى أبنية بشرية بالأسمنت المسلح!
هذه بعض من الحكم التي نطق بها الدكتور عبد العزيز الدخيل، في الحلقة الفكرية التي أقامتها جريدة «الاقتصادية» في تقليد جميل، لتهيئة الجو لما يعرف بين المفكرين» تحفيز الدماغ Brain Storming».
وهو ما ذكرني بأجواء النهضة في أوروبا، كما جاء في كتاب عندما تغير العالم لجاك بيرج، حين كان يجمع (مرسين) في ضاحية باريس أهم الأدمغة الأوروبية لذلك الوقت مرتين في الأسبوع. وأظن أن بناء مراكز التفكير الاستراتيجي، هو الذي يمكن أن ينقل البلد من حال إلى حال Think – Tank- Centers.
ويمكن فهم المقولات السابقة، وفق قانون مالك بن نبي عن الحضارة، إنها معادلة من ثلاثة عناصر؛ الإنسان والتراب والوقت.
وكما كانت الشرارة الكهربية سببا في توليد الماء من الهيدروجين والأكسجين، كذلك فعل الشرارة الروحية في التوليفة الثلاثية للحضارة.
وعلينا أن نستوعب حقيقة أن الحضارة لا تقوم، والتخلف لا يرتفع، ولو أمطرت السماء ذهبا وفضة.
وهو التحدي الأعظم بل قد يكون فتنة. لأن المال ولو كان خزائن قارون، وأقبية نوكس، ومخابئ خوفو، وذهب الإسكندر والملكة فيكتوريا وقيصر روسيا، سوف تنتهي مع كل تبذير، وأن رأس المال مهما صغر يكبر مع التدبير.
فطوبى لمن كان عنده قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والحضارة هي الإنسان مع الوقت، في نفض التراب، إلى مدن ومؤسسات ودساتير وصناعات. وصناعة الصناعات هي الهدف، حتى يمكن صناعة كل شيء. كما نهض ستالين بروسيا وفشل ماوتسي دونج في الصين حتى جاء القصير كسيا بينج فنجح، ولولا تلك ما نجحت روسيا في الصبر على الهجوم النازي.
والحضارة ثلاث كلمات خلق، صيانة، تطوير.
والحضارة كوظيفة هي الضمانات للبشر، الذين يعملون ويكدحون بين ظهرانيها، وكندا توفر مبلغا من المال، يقيم الأود ويسد الرمق، لأي إنسان يعيش في مونتريال وأوتوا
وكندا تعطي راتبا لكل من بلغ 65 عاما، ولو لم يشتغل 65 ساعة عندها، فهذا حق كل من تقدم به السن وانتسب للبلد، فتعطيه راتبا بيعيش به في كرامة، مع استفحال المرض والضعف وتردي الطاقة الإنتاجية، مع خصم الثمن له في كل مدخل، ولو زيارة سينما ومسرح وناد ومصاعد تلفريك مونت ترامبلان، فضلا عن الدواء المجاني؛ فهذا هو مجال الإبداع الحضاري، حيث يعيش الإنسان آمنا على نفسه، عنده قوت يومه، لا يخشى الفلق والمخابرات والتقارير السرية.
لقد استمعت بكل جوارحي، وكان دماغي يعمل كمسجلة لكلمات هذا الرجل الحكيم، الذي علقتُ على كلماته في مداخلتي؛ إنها إشارة إنذار للمستقبل Alarm، بل وتمنيت أن تعمم أفكار هذه المحاضرة على كل مسئول ومهتم بالفكر ومستقبل البلد.
قال الرجل الحكيم وهو يستعرض مصادر الاقتصاد إن البترول ليس إنتاجا بل هو استخراج، والإنتاج هو ما تنتجه بكد الساعد وعرق الجبين.
والحقيقة عن البترول كما قلت في مداخلتي على حديثه، أنها ثروة بمحض صدفة جيولوجية لأمم تنتج الحضارة، وشاءت الأقدار التاريخية أن تجعل جسم الحضارة في مكان ودمها في مكان. وحاليا فقد تم مسح قيعان البحار والجبال الراسيات، وعرفت مخازن البترول في سطح الأرض وأنها موزعة في نحو 18000 حقل بترولي، وابتدأت هذه الرحلة منذ عام 1856 في أمريكا، فاستهلك من البترول حتى اليوم نحو 900 مليار برميل، في مدى القرن والنصف الفائتين، والباقي هو 1200 مليار برميل، في ضوء ثلاث حقائق كريهة؛ أن الاستهلاك اليومي 82 مليون برميل والسنوي 29 مليارا، مقابل زيادة الاستهلاك، من حوض يجف دون توقف، وهذا يعني جفاف البترول في ثلاثين سنة، وهذا يعني أن نحزم أمورنا للجيل القادم وهو قادم..
«ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا بأحسن ما كانوا يعملون».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي