كيف تستعيد الشركة المتعثرة عافيتها؟

كل تفكير يعقبه سلوك وهذا السلوك يمكن أن يكون مفيدا يضيف قيمة للعمل وقد لا يكون كذلك، فمن الناس من يترجم تفكيره إلى أفعال ملموسة ومنهم من يكتفي بالحديث عما يجب فعله، وبالتالي يتفاوت الناس في طريقة تعاطيهم مع الأحداث وفقا لذلك، فينقسمون إلى ثلاث فئات: فئة تفكر في كل ما يحدث وتبذل جل طاقتها لترجمة هذه الأفكار إلى أفعال ملموسة، والفئة الثانية تفكر بالطريقة نفسها ولكن تستهلك معظم طاقتها في الحديث عما يجب فعله فهي كثيرة في أقوالها وقليلة في أفعالها، وفئة ثالثة لا تفكر كثيرا فيما يجري من حولها ولذلك لا تبادر بالأفعال من تلقاء نفسها فمعظم طاقتها تستهلك في تنفيذ ما يطلب منها.
عند تدقيق النظر في كل أنواع المنظمات كالشركات والمؤسسات نلاحظ أن نسيجها يتألف من خليط لكل الفئات آنفة الذكر ولكن بنسب متفاوتة، فمنها من تشكل الفئة الأولى أغلبية في مراكزها القيادية ومنها من تكون للفئة الثانية التمثيل الأكبر ومن النادر جدا أن يكون للفئة الثالثة أي تمثيل في هذه المراكز لأنها فئة تميل إلى التبعية في أفعالها، كما أن أكثر المنظمات استقرارا هي التي تتكون من مزيج متوازن من هذه الفئات، وأكثرها عرضة للاهتزاز هي المنظمات التي تشكل الفئتين الثانية والثالثة أغلبية فيها لأن أغلب القياديين سيكونون ممثلين من هاتين الفئتين، وهنا مكمن المشكلة إذ كيف سيكون حال هذه المنظمة عندما تسيطر على قيادتها فئة من الموظفين تستهلك معظم وقتها وطاقتها في الحديث عما يجب فعله، والنقاش الذي لا يجدي نفعا ولا ينتج عملا بالتأكيد لن يكون الحال مطمئنا فقد تصاب معظم عملياتها بالشلل وعدم القدرة على الاستمرار في الإنتاجية.
إحدى الشركات كانت تعاني مصاعب في التسويق وانخفاضا متواصلا في المبيعات في حين أن منتجاتها لا تقل جودة عن المنتجات المنافسة إن لم تتفوق عليها ولكن كانت تفقد سنويا جزءا من حصتها في السوق لصالح أي منتج جديد يدخل السوق لأول مرة، كما أن أرباحها بدأت تتناقص بشكل حاد بفعل ضعف قدرتها على تسويق منتجاتها وارتفاع التكاليف التشغيلية الناتجة عن عدم استغلال كامل طاقتها الإنتاجية. في أحد الاجتماعات الدورية للإدارة التنفيذية لهذه الشركة وقف الرئيس التنفيذي وصاح في الجالسين قائلا : لدينا أمر غريب لا أستطيع فهمه أو تفسيره، فعندما تسلمت مهام عملي كرئيس للشركة كنت سعيدا في بادئ الأمر بما يدور في الاجتماعات الدورية لأنني كنت أرى كل المسؤولين يشاركون بفاعلية في تقديم الحلول والمقترحات لمعظم المشكلات التي تطرح في الاجتماع، ولكن مع مضي الوقت صرت أتعجب من الوضع وحيرتي تزداد يوما بعد يوم، فبالرغم من كل ما يطرح من أفكار جيدة لعلاج المصاعب التي تواجه الشركة لا أرى على الأرض أي تحسن في الأداء، فمعظم مشكلات الشركة ما زالت قائمة والنتائج غير المرضية مستمرة، فأصبحت أتساءل!! ماذا يفعل كل المسؤولين بعد أن تنفض الاجتماعات؟ لماذا لا تتم ترجمة الأفكار المطروحة إلى عمل فتحل المشكلات؟ لقد بدا رئيس الشركة محبطا ومتوترا بسبب ما آلت إليه نتائج الأداء المتردية من جانب، وبسبب الضغوط التي تمارس عليه من أعضاء مجلس الإدارة لتحسين الموقف المالي للشركة من الجانب الآخر.
من الواضح أن مشكلة الشركة كانت تتركز في أن أغلب المسؤولين فيها يمكن تصنيفهم بأنهم من الفئة الثانية التي تفكر كثيرا في كل ما يحدث ولكن تستهلك معظم طاقتها في الحديث عما يجب فعله، لذلك لم يكن رئيس الشركة يرى عملا على الأرض يتصدى لهذه المشكلات ويعالج أسبابها وما يؤكد هذا الاستنتاج أن هذه الشركة استعادت عافيتها وأصبحت تحقق أرباحا عالية بعدما تغير مالكوها وتغير الكثير من المسؤولين فيها فيبدو أن التوازن قد عاد إلى المزيج الذي تتكون منه قيادات الشركة، فأصبح من يفكر ويعمل أغلبية في الإدارة التنفيذية بعدما كانوا أقلية فتحسن تبعا لذلك أداء العمل فيها وعادت لتحقيق الأرباح الكبيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي