جاذبية الموت
تحتشد في الروح زوابع عاصفة من رغبة الحياة وجاذبية الموت (الليبيدو والتانتوس) على نحو لا يصدق.
و"تبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا".
وفي سورة هود أن الرحمن خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ..
وأفظع ما تناقلته الأخبار تسارع الفتيان والفتيات إلى الموت بطوع إرادتهم وبحبل مدلى؛ وهي أخبار تناقلتها الصحافة الأوروبية من الزاوية الجنوبية من بريطانيا في مقاطعة والاس؛ فقد احتشد جمع غفير في كنيسة مدينة (بريجند Bridgend) النائية، من مقاطعة والاس البريطانية (Wales) على المقاعد الخضراء الطويلة، بدعوة مستعجلة للصلاة على روح الفتاة (جينا باري 16 ربيعا Jenna Parry) التي ودعت الحياة انتحارا.
تكلم الكاهن ما شاء له الكلام عن نعمة الحياة وكراهية الموت، والحفاظ على الحياة بكل صورة ممكنة، ثم أغمض الكاهن عينيه لفترة، مبتدئا بترانيم الصلاة على روح الفتاة الصغيرة، في الوقت الذي نكس الحضور رؤوسهم في كنيسة (تابرنيكل Tabernacle).
لم يكن انتحار (جينا بيري) إلا نهاية سلسلة مروعة خلال 18 شهرا، أخذت حياة 17 شابا وفتاة، لم يتجاوز أكبرهم سن 27 عاما، وكان أصغرهم بعمر 15 سنة، بدأت السلسلة بالشباب، ثم افتتحت صفحة البنات الصغيرات.
رفع الكاهن يديه بالدعاء تجاه سقف الكنيسة: " اللهم أنزل رحمتك على هذه القرية البائسة الظالم أهلها! اللهم أعنا أن نفهم ما يحدث لنا؟".
تابع: صلوا للعائلات! صلوا للأطفال الأموات! صلوا للذين مازالوا على قيد الحياة!
لندعو الله ونصلي أن يتوقف الانتحار!
ألا يكرر هذا الشر أحد لنفسه هذا! ثم رفع صوته ! كفاية لا نريد المزيد ! لا نريد! ..
ردد الجمهور خلفه: لا مزيد .. لا مزيد.. لا نريد.. رددوا أولا بصوت خفيض .. بعدها بانفعال أعلى وبصوت محتقن .. كفى كفى.. لا مزيد (No More!!)
كل هذا حدث من مقاطعة والاس (Wales) وفي المدينة الصغيرة بريدجند (Bridgend) حيث اشتد داعي الموت في مدينة الأطفال الحزانى، فتدافع الشباب إلى الانتحار، مثل الوباء، بشنق أنفسهم بحبل، بطريقة مكررة مثل فيلم يعيد نفسه، فيتدلون معلقين من زريبة أو شجرة أو مخزن بضائع، في نفس مكان عيشتهم بين أهليهم، وكلهم في ميعة الصبا.
لقد كان لافتا للنظر أن يأخذوا حياتهم شنقا وخنقا بأيديهم على نحو غير مفهوم؟ ما جعل هذه المدينة زاوية الموت المظلمة القاتلة من أوروبا، التي لا تضاهيها نسبة انتحار في كل بلاد الاتحاد الأوروبي؟ وبمعدل ضحية كل شهر.
وحين اكتشف انتحار (جينا بيري) بعد شروق الشمس بقليل، كانت جثة هامدة معلقة بمنديل حرير بجانب حظيرة للكلاب! ويقرأ القراء على الشجرة حيث علقت نفسها، وخرجت روحها، هذه العبارة المؤثرة بخط والديها؛ :" لماذا فارقتينا مبكرة يا فراشتنا الصغيرة؟"
الذين يودعون الحياة أربعة أصناف مكره بحادث واغتيال، ومحب للحياة عليه مغادرتها مع الشيخوخة، والشهداء الذي يمشون بأقدامهم إلى الموت وجلهم من الشباب، وأخيرا المنتحرون وفي العادة يكونون شبابا..
والشباب يقبل على الموت لفائض الحياة عنده، والشياب يتراجعون لتبخر الحياة من أجسادهم فهم بهذه البقية متمسكون، والتصميم هو ميزة الشباب، فمن يخسر حبيبته أو يؤمن بمبدأ وفضيلة يقتحم لجج الموت للاتحاد بمثله الأعلى من فتاة أحلامه، أو أحلام أفكاره..