أهمية التنسيق بين مجلسي «الشورى» و«الاقتصادي الأعلى»! (1 من2 )
لاشك أن إعادة إحياء دور مجلس الشورى السعودي ليشارك في صنع القرارات الوطنية المفصلية تعد أحد الإنجازات المهمة لحكومتنا لتفعيل المشاركة الوطنية في صناعة القرارات.
أهمية مجلس الشورى تكمن في كونه وعاء يحتضن مجموعات نخبوية تم تعيينهم على أساس من الكفاءة في أداء المهام المُناطة بهم، فهم يشاركون الوطن في رسم سياساته سواء كانت على المستوى الاقتصادي، التوعوي الثقافي، أم على الصعيدين المحلي والخارجي. الكل ينظر لهذا المجلس على أنه مصنع يتفجر بالطاقات الفكرية والإبداعية والتي تهدف إلى إثراء ساحة صانع القرار السياسي بالمشورة الصادقة والرأي الحكيم. ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تعمل هذه النُخب على مناقشة الكثير من القضايا وطرح الأفكار التي تهم الوطن فالحمل عليها ثقيل والمسؤوليات المناطة بها جِسام والمطلوب منها الخروج بتوصيات على قدر كبير من الاتزان والمسؤولية.
إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل سبق أن طرح العديد من الكُتاب أن يقوم مجلس الشورى بدور أكثر حيوية وذلك ليس الاستماع إلى صوت المسؤول فقط إنما تُوجه الدعوة إلى الكثير من النُخب المتخصصة على الأصعدة كافة من خارج المجلس للإدلاء بآرائهم ودراساتهم وأفكارهم خاصة فيما يتعلق بالكثير من الجوانب التي تهم التنمية في بلادنا لكي تكون نقاشات المجلس نُخبوية تقدم طروحات على مستوى عالٍ من الحرفية والمنهجية العلمية. فليس بمستغرب على المجلس أن يتصدى لكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الحساسة بقصد دراستها وسماع وجهات النظر حولها من أطراف متعددة ومتنوعة الثقافة ومن ثم التوصية لولي الأمر من خلال المجالس والهيئات المُتخصصة التي أسستها الدولة كالمجلس الاقتصادي والرفع بها إلى المقام السامي. من القضايا الساخنة على الساحة المحلية قضية المياه والاحتياطيات الموجودة منها وإمكانية تنمية هذه الاحتياطيات وبمُختلف الطرق، فهو موضوع قديم متجدد مرورا بالطفرة الزراعية وانتهاء بما تعانيه مدننا وقرانا هذه الأيام من سوء توزيع للمياه في حين لم تُعالج هذه المشكلة بالطرق الوقائية العلمية السليمة بحيث يكون ترشيدنا الاستهلاك مبنيا على نماذج علمية سليمة وليس على إجتهادات شخصية الهدف منها إرجاء الحلول إلى وقت آخر، مسترشدين بالمثل الشعبي ''الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح''، وهذا بالتأكيد ليس على مستوى طموحات قيادة الوطن من خلال سعيها الحثيث لتوفير احتياجات المواطنين حتى لو كلفت الدولة المال الكثير.
ومن المعروف ضمن هذا السياق، أن المملكة بلد صحراوي وأن مصادر المياه فيه محدودة ونادرة حيث إن الموارد السطحية للمياه محدودة فلا أنهار، والمخزونات الأرضية كذلك قصيرة العمر، ففي تقرير للبنك الدولي عن المياه في دول الخليج العربية لعام 2005 أظهرت أن متوسط نصيب الفرد الخليجي عموما سنويا من الموارد المائية العذبة يراوح بين 370 و60 متر مكعب سنوياً وهو من أقل المعدلات العالمية، بينما متوسط استهلاك الفرد اليومي يتراوح مابين 750 و300 لتر يومياً وهذه تعتبر من أعلى معدلات الاستهلاك في العالم كون هذه البلدان الصحراوية من أقل بلدان العالم تمتعا بالثروة المائية وقد يهبط هذا المتوسط إلى النصف تقريباً بحلول عام 2030 مع الزيادة الكبيرة في سكان المنطقة. وعلى الرغم من الأهمية النسبية لتحلية مياه البحر للأغراض الاستهلاكية الآدمية، عن طريق التقطير الومضي المتعدد المراحل والذي يُعتبر من أكثر الطرق فاعلية وقابلية للتنفيذ اقتصاديا ومالياً إلا أن تحلية مياه البحر لا تخلو من التكاليف المالية حيث أشارت الدراسات إلى أن متوسط التكلفة يراوح بين دولارين ودولار واحد للمتر المكعب في دول المجلس من دون التكاليف الأُخرى، ناهيك عن المخاطر التي تكتنف إمدادات هذا النوع من المياه جراء الحروب والقلاقل السياسية ولعل التسربات النفطية التي حدثت في الخليج العربي ليست منا ببعيد.
في اعتقادي أن من يدير المياه باستطاعته علاج مثل هذه المشكلة وبكل سُهولة ويُسر. فإدارة الموارد المائية بشكل عام وإدارة الطلب على المياه بشكل خاص تُشكل الحلقة الأقوى لاستمرار وديمومة تدفق الحياة من خلال النظر الواقعي والعقلاني لتسعيرة المياه والتي من المُفترض فيها مراعاة مختلف شرائح المجتمع خاصة الكميات الاستهلاكية الأساسية وليست الترفيهية، من خلال تحديد كميات أسبوعية كافية لاستهلاك متوسط الأسر السعودية، مع كميات إضافية صغيرة لسقيا الحدائق الصغيرة وتنظيف المنازل بسبب الوضع المناخي الصحراوي، وما زاد عن ذلك من متطلبات ترفيهية كالحدائق الكبيرة وحمامات السباحة متعددة الأحجام فليدفع المستفيد، ليس من خلال التسعيرة الرسمية للمياه لارتباطها بكميات محدودة، بل من خلال الشراء المباشر من نقاط توزيع المياه وبأسعار تحددها الدولة تختلف عن الأسعار الرمزية. فليس من المعقول أن يدفع السعر نفسه من يشتريه للأغراض الاستهلاكية الضرورية ومن يدفع به للأغراض الترفيهية في موسم الحرارة، مع العلم أن تسعيرة المياه الحكومية اليوم لا تُشكل سوى 10 في المائة فقط من إجمالي التكلفة. الأمر يتطلب كذلك النظر الجاد في علاج التسربات من الشبكات الحالية لتقادمها وتشجيع وتحفيز الاستثمار في قطاع المياه حتى نتلافى وقوع أزمات مياه في المستقبل.