عتيق الكتاب قد يكون كنزا معرفيا لا يقدر بثمن

القانون التاسع من قوانين البناء المعرفي

بيعت مخطوطة أرخميدس التي ظهرت على السطح بعد ألفي سنة بالمزاد العلني بمبلغ 2.2 مليون دولار واشتراها ملياردير الأمازون في الإنترنت جيفري بيزوس.
والأعجب من ذلك لفائف وادي كمران التي عثر عليها في الكهوف، وقد كتب على الجلود تأريخا للوقت الذي جاء فيه المسيح.
وكذلك قطع الجلد المتبقية في كهوف مصر التي كشف عنها عام 2009م، وفي هذه الوثائق المهملة قد تكون كامل الحقيقة!
وعفوا من المظاهر العتيقة لبعض الكتب، وأنا شخصيا أنحت في هذه الكتب نحتا وأشتغل عليها عشرات الساعات كما لو أستعد فيها للامتحان. وهذا هو طريق من أراد أن يبني نفسه معرفيا؛ فمازلت أعيد النظر فيها والاستفادة لعشرات السنوات، في قراءة أكثر من 20 مرة لبعض الكتب مثل تجديد التفكير الديني لمحمد إقبال، والعلم في منظوره الجديد لروبرت أوغروس، وقصة الفلسفة لويل ديورانت، ومختصر دراسة التاريخ لتوينبي، وروبرت غرين في القوة، وعندما تغير العالم لجاك بيرج، أو تدهور الحضارة الغربية لشبنجلر، ومقدمة ابن خلدون، وآخر من شكله أزواج.
وهناك كتب تندم على قراءتها. وأفلام تلوث الذاكرة، وكتب لا تود الرجوع لها مطلقا، وكتب منحولة، وأخرى مسروقة، قد رصع البعض عليها أسماءهم، كما في كتاب "المائة الأعظم" أولهم محمد صلى الله عليه وسلم، فالكتاب لمايكل هاردت ولكن كاتبا عربيا أبى إلا أن يرصع اسمه عليه!
كما سرق بعض كتبي وعديد من مقالاتي بماوس وكبسة كي بورد، وحين حذرت اللص حذرني بأشد! مما ذكرني بالكذاب الأشر!
وهناك كتب تمل فلا تباع، أو كتاب يخطفك، فلا تعود تسمع طنين البعوضة وفرقعة عجلات القطار، فتغرق وتغرق وتلتهم مئات الصفحات في ساعات قليلة، وهي فضيلة من تمرن على القراءة السريعة، وغاص في المعاني الموقظة العميقة، كما وصف ذلك فيلسوف التنوير إيمانويل كانط كتاب ديفيد هيوم "رسالة في الطبيعة البشرية" فقال عنه لقد أيقظني من سباتي العقائدي!
أما كتاب وكتابة "إيميل" في تربية الطفل لجان جاك روسو فقد خطفت الفيلسوف من نزهته اليومية، ولأن الناس كانوا يربطون ساعتهم على نزهة الفيلسوف؛ فلم يعهد عليه أن تأخر في حياته قط عن نزهته اليومية المعتادة في الهواء الطلق مع خادمه لامبيه، فقد تأخر في ذلك اليوم، وهو يلتهم صفحات الكتاب، ومنه انطلق لوضع كتابيه "نقد العقل الخالص" و"نقل العقل العملي".
إن قصة أورويل 1984 م، أو كتاب "الأمير" لميكيافيلي، أو المقال على المنهج لديكارت، أو رسالة في تحسين العقل وفي اللاهوت والسياسة لسبينوزا، أو فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لابن رشد، أو كتاب المنقذ من الضلال والمفضي إلى ذي العزة والجلال لأبي حامد الغزالي، ما زالوا مصابيح الهدى، لهم رصيد في الفكر الإنساني وتقرأ كتبهم المرة بعد المرة.
وكتاب العبودية المختارة لأتيين دي لابواسيه في تفكيك آلية الطغيان، أو كتاب حي بن يقظان في الإدراك العقلي، أو دون كيشوت لسيرفانتيس الإسباني، أو النبوءات لنوستراداموس، أو ألف ليلة وليلة، أو كليلة ودمنة لابن المقفع مازال الزمن لا يزيدها إلا بهاء وإشراقا. أو المقدمة لابن خلدون.
وهكذا فالكتب الرائعة تتخمر مع الزمن أكثر فأكثر وتشع على الفكر الإنساني دون توقف. لذا لا غرابة أن يكتشف عالم عالما طوي قيده، مثل أركون في اكتشافه أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة، أو توينبي لابن خلدون والجبرتي، أو جودت سعيد لمحمد إقبال ومالك بن نبي. أو أنا للنيهوم والوردي ومحمد كامل حسين في كتابه وحدة المعرفة، والإنسان يبحث عن المعنى عند فرانكل.
وطبيعة التاريخ تقدمية بمعنى أن الكتب الجيدة تتوطد والممنوعة تصبح مطلوبة كما حصل مع كتابي النقد الذاتي الذي يحتاج لنقد حاليا، وتطوير الجزء الثاني بعده.
وسوف يحصل له من الانحباس للجزء الثاني، عشرين أو ثلاثين عاما، ثم يفسحوا عليه ولا يمانعون في الاطلاع عليه.
والله يقول: "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي