أهمية التنسيق بين مجلسي «الشورى» و«الاقتصادي الأعلى»! (2 من 2)
«رأسان اثنان خيرٌ من رأسٍ واحدٍ»، بهذا المثل نستكمل ما طرحناه من أن الخيارات الاقتصادية المهمة تدعُونا إلى ضرورة إعمال النقاش والحوار في إطار من التعددية الفكرية ليخرج القرار بشكله وصورته المرجوة. ولعله لا يفوتنا في هذا المقام التركيز على أن القرارات الحاسمة لا بد أن تتم من خلال مجلس الشورى أولاً وبمشاركة أعضائه مع مُباركة النُخب الفكرية والبحثية الاقتصادية وكل من له صلة بهذه الخيارات، ومن ثم التوصية بما يتم التوصل إليه للمجالس والهيئات المتخصصة. فهذه العملية لا بد أن تتضمن إجراءات حوارية هادئة تؤدي إلى بلورة الشكل الجديد لأي قرار اقتصادي نهدف إلى الوصول إليه. هذا الطرح فيه فائدة كبيرة، ففيه قوة للتوصيات ودرجة قبولها لدى صانع القرار، ناهيك عن عدم حصول الازدواجية في طرق الموضوعات من قبل المجلسين والتوصية كلٌ على حدة بحلول قد لا ترقى إلى تطلعات المسؤولين. من قراءة التاريخ، لا شك أن موضوع النفط وتسعيره من المواضيع الحيوية كونه مصدر الدخل الرئيس وأيضا تأثيره الحيوي في تحقيق التنمية للبلدان المعتمدة عليه. فالمتتبع للأحداث الاقتصادية في المملكة لأكثر من 30 عاما خلت، يلاحظ التغير الجوهري والتحولات الاقتصادية والاجتماعية غير المسبوقة، حيث وظفت حكومتنا الرشيدة عائداتها النفطية في تجهيز البُني التحتية الأساسية من طرق، مدارس، وجامعات...إلخ، ورفع المستوى المعيشي للمواطنين حيث انعكس إيجاباً بشكل واضح على متوسط دخول الأفراد وكذلك في ارتفاع مستويات الخدمات الصحية والتعليمية وخلافه، على الرغم من عدم وصولها لما يصبو إليه ولاة الأمر، والنتيجة زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي الذي شكل القطاع النفطي الجزء الأكبر منه. القطاع النفطي يُشكل أكثر من 30 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من 75 في المائة من الإيرادات الحكومية، بينما كان يشكل أكثر من 80 في المائة من إجمالي الصادرات للمملكة لعام 2005. وليس بالمُستغرب أن تصب هذه الإيرادات في خزانة الدولة وعليه فمسؤوليتها تتركز في تحديد أوجه الاتفاقات وترتيب أولوياتها. النفط سلعة ناضبة وغير متجددة ومتعددة الاستخدامات فهي تقريباً تدخل في إنتاج كل شيء وقد آن الأوان ليتم تدارس الكيفية التي يتم بها تحديد الإنتاج والأسعار مع الأخذ في الاعتبار الحاجات المحلية والظروف الدولية المحيطة من أجل بحث التدابير الممكن اتخاذها من أجل إعادة صياغة أسعار جديدة لها بما يحقق العدالة لمن ينتجه وخاصةً أنها بضاعته الوحيدة، مع العلم أن تسعيرها يتأثر بعوامل كثيرة تتداخل فيها الاقتصادية مع السياسية، وعليه فالخروج بتوصيات في هذا الشأن غاية في الأهمية ولمصلحة هذا الوطن ومستقبل أجياله، أما تأجيل الحوار في هذا الشأن ففيه هدر لثروات الأجيال القادمة وقتل لإمكانات أبنائها في الاستفادة مما تعلموه من علوم وخبرات مالية وإدارية سواء كانت على المستوى الأكاديمي أو على المستوى الوظيفي. إن كل هذه الحقائق دعت الاقتصاديين إلى اتباع منهجية جديدة للتعامل مع معطيات الأوضاع العالمية الحالية وتقديم التحليلات المقبولة لهذه الأوضاع من مُنطلق الحرص على تعظيم المكاسب المادية من أي قرار على كافة الأصعدة المحلية والدولية وإزالة العقبات المادية التي تعترض التقدم الصناعي لمجتمعنا. حقيقة الأمر، التركيز على قضيتي الماء والنفط مرتبط بسبب بسيط وهو أنهما ــ بعد الله ــ سر الحياة في هذه الجزيرة، فكل شيء مخلوق من الماء والنفط مصدر كل الدخل يسمح لنا بالحصول على ما نحتاج إليه من غذاء وكساء ومُقدِرات عمارة الأرض. ومع افتراض أن التغيرات الجيوبوليتيكية تحت السيطرة، فإن المملكة بثقلها الاقتصادي، السياسي، والقيادي تستطيع رسم الخطوط السعرية لهذه السلعة بالتعاون مع بقية أعضاء الأوبك. ففي هذه المرحلة نستطيع إيجاد حلول علمية قادرة على استيعاب المتغيرات الدولية والمحلية مع المرونة الكافية في التعامل بواقعية رشيدة معها، وبذا نكون قد اختططنا لأنفسنا منهجاً سليماً يُمكننا من التعامل مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الأقل أهمية وإلحاحاً، وهي بطبيعة الحال كثيرة ويصعب تناولها في هذا المقام، نذكر فقط ما يتعلق منها بالدخل، وهو سعر الصرف. المُلاحظ أنه كلما حدثت تغيرات جوهرية في أسعار صرف العملات الدولية يبدأ الحديث عن جدوى ربط عملتنا المحلية بالدولار الأمريكي خاصةً بعد وصول الدولار إلى مستويات متدنية أمام الين الياباني ليلامس 94 يناً لكل دولار. ففي هذه الأثناء، ليس من الأهمية بمكان الحديث عن فصل عُرى الريال بالدولار على الرغم من وجود المبررات الكافية، والتي من أبرزها تهاوي عملتنا المحلية أمام ضربات العملات الأخرى للدولار والضغوط التي يضعها على الأسعار المحلية، ما يعني تآكل قوة الريال الشرائية، بل التدبر في الخيارات المُثلي العلمية والعملية لسعر الصرف، التي غدت حاجة ماسة ومن القضايا الحيوية والمصيرية لمُستقبلنا الاقتصادي، خاصة ونحن على أبواب عملة خليجية مُوحدة.