إدارة الرواتب والأجور في الشركات (1 من 6 )
وصلتني رسالة من أحد القراء يقول فيها إنه يعمل مديرا للموارد البشرية في شركة في القطاع الخاص، وإن هذه الشركة ليس لديها نظام للدرجات ولا سلم للأجور، ويطلب الرأي في الطريقة السليمة لعمل ذلك. هذه الرسالة جعلتني أتساءل كم من الشركات لديها المشكلة نفسها، ومع أنني لا أملك إجابة دقيقة عن هذا التساؤل بسبب قلة المعلومات الإحصائية في هذا الجانب، إلا أنني أعتقد بوجود مجموعة كبيرة من الشركات المتوسطة والصغيرة لا تمتلك نظاما للدرجات ولا سلما للأجور، وإن وجد في بعضها فهو عتيق ومليء بالثغرات لأنه لا يخضع للتحديث والتعديل استجابة لمعدلات التضخم والمتغيرات، في سوق العمل, وربما يعود السبب في ذلك إلى أن بعض أصحاب أو مسؤولي الشركات لا يرى حاجة إلى وجود هذا النظام باعتباره ترفا إداريا يخص الشركات الكبيرة، كما أن البعض الآخر ربما لا يفضل فكرة الالتزام بأجور محددة لكل فئة من الوظائف, ويفضل أن يترك هذا الأمر لتقديره الخاص ولبعض الحسابات التي لا يرى ضرورة للإفصاح عنها، ومع تسليمنا بحق كل صاحب عمل أو رئيس شركة في أن يختار الطريقة التي يراها مناسبة للمنشأة التي يترأسها، إلا أن هذا النوع من التنظيم أداة تحتاج إليها كل منشأة تنشد التطور والنمو المستمر في المجال الذي تعمل فيها ولا أتصور منشأة يمكنها أن تتقدم وتنافس بقوة وهي تفتقد أكثر الأدوات تأثيرا في أداء العاملين.
إذا سلمنا بوجود مشكلة من هذا النوع في إدارة الرواتب والأجور لدى عدد من الشركات والمؤسسات المتوسطة والصغيرة، فالتساؤلات التي تفرض نفسها على أصحاب هذه الشركات أو المسؤولين عن إدارتها كثيرة، وفيما يلي بعضها: كيف يمكن لهذه الشركات أن تعمل وتنافس وهي تفتقد أكثر الأدوات تأثيرا في أداء العاملين؟ ثم كيف تتعرف هذه الشركات على أجور العاملين المتضخمة OVER PAID EMPLOYEES؟ أو على العكس كيف تحدد أجور العاملين المتدنية UNDER PAID EMPLOYEES؟ ثم كيف يمكن لهذه الشركات أن تحصل على الرضا الوظيفي لدى العاملين في ظل غياب نظام عادل للأجور؟ وكيف يستطيع المديرون والرؤساء تحفيز موظفيهم في ظل إدارة غير مهنية للرواتب والأجور؟ وكيف ستحافظ الشركات على العاملين الأكفاء من إغراءات الشركات المنافسة؟ من المؤكد أن تجاهل مثل هذه التساؤلات والاستمرار في الإدارة غير المحترفة للرواتب والأجور سيجعل مستقبل هذه الشركات والمؤسسات غير مطمئن، وربما تعرضت لمصاعب كبيرة من جراء التنافس المحموم فيما بينها وبين الشركات الأكثر تنظيما على فرص العمل من جانب وعلى ضم الكفاءات والمواهب المتميزة من الجانب الآخر، كما أن هذا الخلل سيقودها إلى تداعيات أخرى ذات تأثير كبير في الأداء والإنتاجية مثل انخفاض الروح المعنوية لدى العاملين وضعف الانتماء والولاء للمنظمة وارتفاع معدل الدوران الوظيفي TURN OVER كل هذه المشكلات لها نتائج مؤثرة في الأداء العام للشركة، ولكن بصورة غير مباشرة.
ويبقى السؤال ماذا تفعل هذه الشركات والمؤسسات كي يصبح لديها نظام عادل للأجور؟ وجوابا عن ذلك فإن إعداد هذا النظام بصورة سليمة ومتقنة يحتاج إلى منظومة من الإجراءات يمكن اختصارها في ثلاث مراحل تبدأ بمرحلة عملية مسح الأجور ثم مرحلة تقييم الوظائف، وأخيرا إعداد نظام الدرجات وسلم الأجور، فأما المرحلة الأولى فيتم فيها عمل مسح لمستوى الأجور في الشركات التي تعمل في المجال نفسه أو المماثلة في طبيعة العمل بغرض مقارنة الأجور بعضها ببعض وتحديد مستوى الأجور في الشركة بالنسبة لمستويات الأجور في الشركات المماثلة، وعادة يتم عمل مسح الأجور إما بالاعتماد الذاتي على الكفاءات المتوافرة في الشركة وإما من خلال الاستعانة بخبرات خارجية، وهذه الطريقة يمكن عملها بطريقتين: الأولى من خلال الاشتراك في برنامج مسح الأجور الذي تقوم به بعض الشركات الاستشارية المتخصصة، وفي المقابل يحصل جميع المشاركين على تقرير لنتائج مسح الأجور مقابل مبلغ مادي معقول لاعتبارات المشاركة، ويعيب هذه الطريقة أن الشركة المشتركة لا تتحكم في نوعية الشركات المشاركة في المسح، ولكن تظل نتائج المسح مؤشرا جيدا لمعرفة مستوى الأجور التي تدفعها الشركات مقارنة بعضها ببعض، وأما الطريقة الثانية فتتم بواسطة التعاقد مع أحد الخبراء في هذا المجال لكي يقدم المساعدة الفنية في إعداد مسح للأجور لحساب الشركة الراغبة في ذلك، فيتسنى لها اختيار ودعوة شركات بعينها للمشاركة في هذا المسح مقابل الوعد بتزويد المشاركين بتقرير مفصل عن النتائج النهائية لمسح الأجور، والعائق الوحيد الذي قد يواجه هذه الطريقة هو صعوبة إقناع بعض الشركات بالموافقة على المشاركة في المسح لسرية المعلومات التي يتضمنها المسح والخوف من إمكانية استخدام هذه المعلومات ضد مصالحها، ولكن من خلال العلاقات الجيدة والثقة المتبادلة بين المسؤولين بهذه الشركات يمكن تجاوز هذا العائق.
بعد الحصول على نتائج مسح الأجور ينتقل العمل للمرحلة الثانية وهي عملية تقييم للوظائف لكي تتمكن الشركة من تحديد الدرجة المناسبة لكل وظيفة وفقا لعدة عناصر يتضمنها نظام التقييم، وتختلف كل وظيفة من حيث الوزن عن غيرها من الوظائف بحسب مسؤوليات ومهام العمل التي تقوم بها وحجم المسؤولية المالية التي تضطلع بها والمؤهلات والخبرات المطلوبة للوظيفة وحجم المسؤوليات الإشرافية ومستوى العلاقات التي تحتاج إليها ومستوى الجهد الذهني أو البدني المطلوب للعمل وحجم المخاطر ومتطلبات السلامة، فكل هذه العناصر تدخل في عملية التقييم حتى يمكن تحديد درجة عادلة لكل وظيفة، ويتم بعد ذلك منحها مستوى من الأجر الذي يتناسب مع نتائج التقييم.
وأخيرا ينتقل العمل إلى المرحلة الثالثة والتي يتم فيها إعداد نظام الدرجات وسلم الأجور، حيث يتم تحديد عدد من الدرجات يصل في بعضها إلى 20 درجة بحسب حجم الشركة وطبيعة عملها، ويحدد لكل درجة مستوى من الأجر له حد أدنى وحد أعلى اعتمادا على نتائج مسح الأجور وتقييم الوظائف، فمن بدونهما لا يكون نظام الدرجات وسلم الأجور متقنا ودقيقا، فتصميم هذا النظام بناء على هذه المراحل يجعله أقرب للعدالة والموضوعية فيسهم في تحقيق الرضا عند العاملين ويرفع من روحهم المعنوية، كما يحقق للنظام البعد التنافسي فيتمكن من الحفاظ على الكفاءات من أن تتسرب للشركات المنافسة ويرتقي بمستوى أدائها وإنتاجيتها.