قوانين البيولوجيا

دراسة الطب مفيدة كونها تسلح العقل بزاد علمي. ولكن الغرق في نفق التخصص يعمي مثل من يدخل الظلام فيخسر نعمة البصر. وشحن الدماغ المهني بين الحين والآخر بغذاء يتجاوز المهنة أكثر من ضروري لإعتاقه من ربقة التخصص الضيق.
وإبراهيم النظام اقترح قديما تنمية المعرفة في بعدين (شاقولي) وأفقي، بمعنى أن يتبحر الإنسان في فنه، ويتعلم أي شيء آخر مفيد.
ويروى عن الفيلسوف الفرنسي ليفي شتراوس أنه كان يتعلم اليابانية وعمره 80 عاماً.
ويقال عن حيوان الخلد الذي اعتاد العيش تحت الأرض أن قوانين الوجود تحذف العضو الذي لا يعمل أو تدفعه للضمور؛ فمن يستلقي فترة طويلة في سرير المرض يصعب عليه المشي لاحقاً. ومن يعش مع العلم ويتبحر فيه يصل إلى عوالم جديدة، تزيد عن المعلومات، وهي وجود ترابطات تنشئقوانين جديدة.
وعندما يصل الإنسان إلى هذه العتبة يحس بحلاوة الفهم ويدخل عالم الفلسفة.
وأنا شخصيا كتبت كتابا كاملاً بهذا العنوان حوار الطب والفلسفة.
والفلسفة هنا تعني عالما مختلفا عن المعلومات البسيطة المتراكمة، بالانتظام في مجموعات مفهومة، ومنظومات تعمل سوية.
والكون مليء بالجزيئات والمعادن والغازات، ولكنه شاد كونا آخر من الكائنات المعقدة، بدءا من الخلية وانتهاء بالدماغ الإنساني الذي هو أعقد التراكيب.
والبارحة كنت أتأمل قطا صغيرا عندي في البيت فتعجبت منه في عدة أشياء كيف يحك ذقنه بطرف قدمه، ونحن لا نستطيع؟ وكيف ينبش في التراب، فيقضي حاجته، ثم يردم التراب ويشم المنطقة، ليتأكد أنه لا توجد رائحة، ثم كيف يربض مستلقيا على الأرض متحفزا للقفز على الفريسة. كل ذلك وعمره أسابيع قليلة؟
وعندما درسنا قوانين الحركة في الدم ولماذا يحدث التجلط في العروق الدموية، اكتشفنا أن هناك وسطا يتحكم فيه أكثر من عنصر.
وما زال تفسير تشكل خثرات الدم يعود الفضل فيه إلى العالم الألماني فيرشوف الذي أرسى مفهوما ثلاثي العناصر؛ فقال إن الدم حتى يتخثر يحتاج إلى خلل في ثلاث مناطق، فإما كانت من نفس الدم، وإما من جدار الوعاء، وإما من حركة الدم نفسها؛ فمع تباطؤ حركة الدم أي الركود نصاب بالجلطة، كما يحدث في الاستلقاء المديد، وينبه اليوم راكبو الطائرة لزمن طويل بالانتباه إلى الحركة لطرد الركود الدموي.
وإما كان سبب الجلطة لزوجة الدم، ودمنا ليس مثل الماء، وليس مثل اللبن، بل أكثف قليلا، وأي كثافة زائدة في عناصر تدفعه للتجلط.
الهيموغلوبين في الدم عندنا يصل إلى نحو 15 جرام في الليتر عند الرجال، وهو أقل عند المرأة، ولكن زيادة كثافته لا تعني أفضل وأن زيادة الخير تعني على نحو مطلق خيرا، بل زيادة الخير قد تعني خبرا بئيسا وشرا مستطيرا.
كما أن الدم حكيم، وبمجرد إحساسه أنه أصبح في العراء خارج الوعاء الدموي يتجلط.
كذلك فإن الكرية الحمراء تدور في الأنابيب في رحلة تقطع فيها 1150 كيلومترا قبل أن تفنى، وتدور ألف مرة في اليوم خلال معابر الجسم وأوعيته، وتنقل 600 ليتر من الأكسجين، وينتج الجسم في الثانية الواحدة 2,5 مليون كرية حمراء، وتعيش في المتوسط 120 يوماً.
وقانون فيرشوف في الحركة ينطبق في كل مكان سواء كان موج البحر أو مظاهرات العمال أو الاصطدامات العسكرية الكبرى في التاريخ، كما حصل مع تيمورلنك الذي دمر الجيش العثماني في معركة أنقرة عام 1402م وأنقذ الجنين الأوروبي الذي كان يتشكل في ضمير الغيب.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي