بل تُمطر سماء المملكة فُرص عمل!!
لا أُخالني أقتنع أو حتى أتصور أن مملكتنا الحبيبة تخلو من فُرص العمل المتنوعة إلا إذا كنا بعيدين عن الواقع أو نحن ممن يتجنى على هذا الواقع الجميل. ففي آخر تعداد سكاني للمملكة، أفرزت الأرقام أكثر بقليل من سبعة ملايين عامل أجنبي يعيشون بيننا، بينما إحصائيات البطالة للمملكة - بالرغم من عدم توافر الأرقام الدقيقة - كانت في حدود الـ 11,2في المائة عام 2007 وبإجمالي يفوق 400 ألف عاطل عن العمل بقليل، منهم نحو 59 في المائة من الذكور و41 في المائة من الإناث، ثم تدنت قليلا لتصبح في حدود 9.8 في المائة لعام 2008، وعلى الجانب الآخر نجد أن معدل النمو السكاني يفوق المتوسط العالمي حيث وصل إلى 3.24 في المائة، ويشكل العنصر الشبابي أكثر من 50 في المائة من تعداد السكان. السؤال الكبير: إذا كانت أرقام البطالة بهذه الدقة والمصداقية لماذا لم يتم استيعاب هذه النسبة البسيطة التي لا تشكل إلا نحو 6.5 في المائة من فرص العمل المُتاحة في المملكة، على افتراض أن العمالة الأجنبية توجد في المملكة بناءً على وجود فرص العمل؟ الإجابة عن هذا السؤال تتكون من شقين، الأول يتعلق بالعمالة الأجنبية نفسها التي يُشكل العنصر الماهر منها النزر اليسير، فهي تعمل ليل نهار وتدفع ما ادخرته طوال حياتها، بل البعض منها باع كل ما يملكه من أجل الوصول إلى المملكة، أرض الكنوز، ولهذا فلو لم تكن الفُرص مُتاحة، متوافرة، ومُجزية لم تأت إلى المملكة تاركةً الأهل والخلان. الشق الثاني يتعلق بوفرة الفرص وأماكن وجودها على خريطة العمل الوطنية، فلا غرابة وخلال الأربعين سنة الماضية بذل القطاع الحكومي باعتباره المتلقي للدخل والمسؤول عن توزيعه كافة الجهود من أجل توفير فرص التوظيف بمختلف الجهات الحكومية، وقد تم استيعاب أعداد هائلة قد تصل إلى أقل بقليل من المليون موظف في مختلف القطاعات الحكومية وبكافة توزيعاتها. رقم البطالة البسيط من الممكن استيعابه من قبل القطاع الحكومي بسهولة على المدى المنظور، لكنه ليس الحل الأمثل على المدى الطويل وعلى هذا فإن طالب العمل عليه أن يضع في تصوره متطلبات سوق العمل والتخصصات التي لم يتم استغلال فُرصها كالصحية، الطبية التطبيقية، بعض الهندسية والمالية. في تصوري على الطالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي أن يُهيئ نفسه للدراسة الجادة واضعاً نُصب عينيه التخصصات المطلوبة، وأن يدع الخمول والكسل اللذين يؤديان إلى تخصصات قد لا تُسقي شربة ماء. إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالأوضاع بدأت تتغير والقطاع الخاص بدأ يأخذ دوره في تسيير دفة النشاط الاقتصادي، على الرغم من أنه لم يصل إلى المستوى المطلوب في توفير الفرص الوظيفية في مختلف قطاعاته الإنتاجية التي يغلب عليها العنصر الأجنبي إن لم يكن جُلها. لقد صار أكثر من المعروف، إن الوابل كي يكون صيباً ونافعاً، لا بد له من أراض خصبة وقابلة للزراعة، وعليه فإن أرض العمل الوطنية كي تُنبت فرصا وظيفية يستفيد منها أبناء الوطن لا بد أن تُستصلح من خلال رؤية ومشروع واسع الأفق غير قابل للتأجيل ويتم بطرق مختلفة. إحدها يتعلق بالوعي الاجتماعي والثقافي، ويتم ذلك من خلال قيام الجهات التعليمية بدورها كاملاً وعاجلاً غير آجل من أجل إدخال طرق تربوية حديثة تهتم بالكيف وتكون فتحاً لنا ولطلابنا، كما تشمل إدخال إضافات على المواد الدينية والوطنية وإعادة صياغة مفرداتها لتتولى زرع ثقافة حب العمل في الناشئة من خلال توجيهها لتتناسب مع متطلبات المرحلة التنموية الراهنة في إطار برامج نظرية وتطبيقية تنمي المهارات والإبداع وتبعد شبح سيطرة العادات التي تتعارض مع قيمة العمل والإنتاج. إن حجم الإنفاق الحكومي على التعليم يصرف جُله على شكل مرتبات للكوادر التعليمية بينما مخصصات التربية المدرسية وتطويرها ينالها أقل القليل. الثاني حفظ حقوق القطاع الخاص، وذلك عن طريق إنشاء بنك معلومات وطني خاص بالعاملين في القطاع الخاص.. أعدادهم، نوعية أعمالهم، المدة التي قضوها في التدريب، أجورهم أو مرتباتهم، مُدد عقودهم وغيرها من البيانات المهمة. الهدف هو الحد من تقلب الأيدي العاملة الوطنية في أكثر من فرصة وظيفية بحيث لا ينتقل من عمل إلا إذا أنهى مدة العقد، لأن المنشأة تتحمل تكاليف التعليم والتدريب وليس من البر ترك العمل المُنوط بأحدنا فجأة، لما يسببه من أضرار على فرص التوظيف في القطاع الخاص، الذي يسعى دائماً إلى ديمومة وانضباطية العامل في عمله. أما دغدغة المشاعر بمُقترح إعانة البطالة، فنحن لم نصل ولله الحمد إلى المستوى الذي انعدمت فيه الفرص الوظيفية، هذه الإعانة تُقدم لمن تم فصله من عمله أو من لم يجد فرصة عمل ضمن الأجر السائد في السوق، ويحصل عليها بناء على شروط وضوابط معينة ولمدة محددة. ففي مثل ظروفنا، الإعانة البسيطة ليست بذات مردود كبير وستبقيه رهن الإعانة وهو في مرحلة عُمرية صغيرة وهي فترة العطاء والإنتاج، وهذا بالتأكيد ليس من أولويات توفير فرص العمل لدينا. بإمكان الباحث عن العمل القبول بأجر بسيط بدلاً من الانتظار في صفوف البطالة إلى أن يتمكن من الحصول على الخبرة، وهذه ستُؤهله بالتأكيد مع الصبر والمثابرة لوضع مادي أفضل.