إدارة الرواتب والأجور والمقدرة التنافسية للشركة (2 من 6 )
عندما يدخل عدد من المتبارين في أي منافسة فإن أقربهم للفوز هو من أعد العدة ووفر الشروط وهيأ الأرضية الملائمة لتحقيق التفوق, وأي تنافس لا يستند إلى هذه القاعدة فاحتمالات الفوز فيه ضئيلة جدا، وإن حصل فإنه يحدث من باب الحظ الذي لا يمكن أن يستمر أو يتكرر, وليس من الحكمة أن يخوض المتسابق غمار المنافسة وهو يعتمد على الحظ لكي يحقق الفوز، لأن ذلك يدخل في إطار المغامرة غير المحسوبة التي تفضي في أغلب الأحيان إلى خسارة محققة.
لقد بدأت بهذه المقدمة لكي أستعيد مع القارئ العزيز جزءا من الأسس التي نتفق جميعا على سلامتها، ولكن قد تغيب عن ذاكرة بعضنا عندما نكون منهمكين في أعمالنا وحياتنا اليومية، وفي مجال التنافس في قطاع الأعمال، موضوع هذا المقال ـ يغيب عن حسابات بعضنا أصحاب الشركات أو المسؤولين فيها عنصر من أهم العوامل تأثيرا في أداء العاملين، ألا وهو عامل الأجور، فترى إدارة الرواتب والأجور في هذه الشركات يعوزها الكثير من المهنية في الأداء، لأن أمر إدارتها قد ترك لبعض الممارسات غير المبنية على حسابات وأسس ونظم ثابتة ومقننة, فتجد بعض العاملين أو الموظفين يعينون بأجور متفاوتة، في حين أنهم يحملون المؤهلات والخبرات نفسها، أو أن بعض الوظائف تحصل على أجور أعلى مما تستحق وفقا لاعتبارات سوق العمل والعكس صحيح, وربما يصل الأمر ليكون أكثر إيلاما عندما يتم تعيين من يحمل التأهيل والخبرة المطلوبة بأجور منخفضة لأسباب تتعلق بالجنسية وليس الكفاءة , فما زلت أتذكر العبارة التي قالها لي بمرارة مسؤول العمليات في إحدى الشركات وهو يشير إلى بشرته السمراء قائلا: إن غيره من المسؤولين الأوروبيين يحصلون على أضعاف ما يدفع له من أجر فقط للون بشرتهم والجنسية التي ينتمون لها, كما أن الزيادات السنوية ـ إن كانت تصرف بشكل دوري ـ فهي لا تخضع لمؤشرات معدل التضخم وتكاليف الحياة أو مستوى الأجور السائدة في سوق العمل.
ممارسات كثيرة تحدث في الكثير من الشركات بسبب ضعف إدارة الرواتب والأجور وما ذكرته آنفا هو غيض من فيض كلها تصب في اتجاه معاكس لما تخطط الشركات لتحقيقه في إطار الارتقاء بمستوى الأداء والإنتاجية وتطوير المقدرة التنافسية للفوز بالمشاريع والصفقات المربحة، فالعامل الذي هو محور الارتكاز لكل إنجاز تحققه أي شركة لا تستطيع أن تدفعه نحو التفوق والإبداع إن لم تقم الشركة بإدارة نظام الرواتب والأجور فيها بطريقة موزونة وحسابات دقيقة وإجراءات منضبطة لتصبح الرواتب والأجور مصدر تحفيز للعامل نحو التميز، وليس مجرد أجر يدفع مقابل العمل, فمن الشروط والحسابات الواجب مراعاتها في الأجر أن يكون منافسا على مستوى الأجور في سوق العمل، فلا يحصل العامل على أجر يقل عن معدل الأجور للمسؤوليات والتأهيل أنفسهما سواء كان ذلك داخل الشركة أو خارجها، لأن مثل هذا الإجراء يثبط الرغبة في الإبداع والتفوق ويضعف الروح المعنوية لدى العاملين وبالتالي تنعكس نتائج هذه المشاعر بشكل سلبي على الأداء العام للشركة, كما يجب أن يكون لدى الشركة نظام لتقييم الوظائف يتم بموجبه تحديد الدرجة والأجر المناسبين للوظيفة فهذا التنظيم يحقق للشركة شعورا عاما لدى جميع العاملين بأن الأجور التي تصرف لهم مبنية على أسس منضبطة ومقننة, فيستغل العاملون جل وقتهم بالتفكير الإيجابي فيعملون على تطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم ويتنافسون على نيل أعلى الدرجات الوظيفية، والأمر الآخر الذي يجب أن تراعيه الشركة في نظام الأجور ألا يترك لكي يتآكل بفعل معدلات التضخم السنوية فيخسر جزءا من قيمته مع مضي الوقت ويفقد فاعليته في تحفيز العاملين نحو الأداء المتميز، إذ ينبغي أن يتم صيانته وإجراء التعديلات المناسبة عليه بين فترة وأخرى لكي يحافظ على الكفاءات المتميزة ويحد من تسربها للشركات المنافسة وفي الوقت نفسه يسهم في جذب أجيال جديدة من الكفاءات الواعدة فتستمر الشركة في تطورها وتقدمها, وأخيرا يجب ربط الزيادات السنوية والترقيات بنظام فعال لتقويم الأداء، وأن يحدد مقدار الزيادة المترتبة على ذلك بنسب متوازنة لا تسمح للأجر بأن يصل إلى أعلى مداه في فترة قصيرة، وفي الوقت نفسه لا يكون مقدار الزيادة ضئيلا فيفقد تأثيره في أداء العامل.
وخلاصة القول فإن العاملين والموظفين هم الجنود الذين تحقق بهم الشركات انتصاراتها ونجاحها وتطورها، ولن تتمكن أي شركة من تحقيق الفوز في المنافسات والمشاريع إلا بموظفين وعمال تملأهم مشاعر التفاؤل والرضا والرغبة في التفوق والإبداع، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إدارة محترفة للرواتب والأجور, فإدارة الرواتب والأجور عملية دقيقة وحساسة جدا، وتبعات إساءة تقديرها مؤثرة جدا في أداء وإنتاجية الشركة ومقدرتها التنافسية، وبالتالي لا مجال لتركها تدار بطريقة غير مهنية وإلا عرضت الشركة نفسها لتداعيات قد تكون مؤثرة في مستقبل أعمالها لأن قانون المنافسة التي تعمل ضمن آليته لن يرحم المتهاونين في شروط التنافس، وقد يرميهم خارج دائرة المنافسة إن هم ترددوا في تصحيح أسلوب إدارتهم غير السليم سواء كان ذلك في مجال الرواتب والأجور أو أي مجال آخر.