بر وبحر وجبل بلا مخلفات

ما إن أمسكت قلمي لكتابة مقالة هذا الأسبوع حول حملات نظافة الأماكن العامة والمتنزهات حتى سمعت صوت ''العم نظيف'' يناديني قائلا:« تعالي معي يا ابنتي لتري»، وأخذني في جولة سياحية بدأت بكورنيش مدينة جدة، وكم كانت فرحتي عظيمة عندما شاهدت أرصفته نظيفة خالية من القاذورات وقطع الزجاج المتكسر وقشور الفصفص، أما القطط التي تتجول بين المتنزهين بحثاً عما لذ وطاب من أطمعة دسمة فلا وجود لها، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى جبال الشفا قرب مدينة الطائف، حيث شاهدت المتنزهين يفترشون الأرض في المرتفعات النظيفة الخالية من المخلفات البشرية والحيوانية، أما أكياس المهملات البلاستيكية التي تبعثرت بفعل الرياح ثم استقرت على غصون الأشجار فقد اختفت تماماً، وأخيرا أخذني ''العم نظيف'' إلى أحد المتنزهات البرية الصحراوية خارج مدينة الرياض، وشاهدت كثبان الرمال الذهبية ممتدة لمسافات بعيدة مشكلة لوحات فنية جميلة، وبدا لي أن قدم إنسان لم تطأها منذ أعوام، فلا أكياس مهملات هنا وهناك، ولا عظام خرفان ولا كراتين ورقية تشوه روعة المكان. وبنهاية الجولة بادرني بالسؤال: الآن اخبريني يا بنيتي هل هذا مستوى النظافة الذي تنشدين في الأماكن والمتنزهات؟ قلت له نعم يا ''عم نظيف'' نعم وألف نعم، هذا ما أطمح إليه أنا وكل مواطن غيور على متنزهات هذا الوطن.
القارئ الكريم: حلقت بخيالي برفقة ''العم نظيف'' في هذه الجولة السياحية الافتراضية بعدما اطلعت على خبر نشر في العدد (5634) من صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 18/3/1430هـ عن حملة ''بر بلا نفايات'' التي نفذتها مشكورة أمانة منطقة الرياض، بدعم ومشاركة فاعلة من عدة جهات حكومية وخاصة بهدف تعزيز الوعي البيئي لدى المواطن والمقيم وإيجاد متنزهات نظيفة خالية من الأمراض. ولعل القارئ الكريم يتفق معي على أن الحملات التي تقوم بها مختلف الجهات المسؤولة عن نظافة الأماكن العامة تستهلك الوقت والجهد والمال، ومع ذلك فهي مستمرة من عام إلى آخر، ويتم خلالها جمع أطنان من المخلفات الورقية والبلاستيكية والزجاجية من الأماكن السياحية البرية والجبلية والصحراوية مما يدفعنا إلأى طرح عدة تساؤلات وهي: هل حدث انخفاض في عدد الأطنان من المخلفات سنوياً أم لا؟ هل انعدام الوعي لدى المتنزهين هو السبب؟ هل هناك جزاءات صارمة بحق المتنزهين المتهاونين في المحافظة على نظافة الأماكن العامة؟ هل رمي المخلفات في الأماكن والمتنزهات ظاهرة محلية نتميز بها عمن حولنا من خلق الله؟ هل نلقي كالعادة باللوم على نظامنا التعليمي ومناهجنا الدراسية ومعلمينا لتقصيرهم في معالجة هذه الظاهرة غير الحضارية؟ إن رمي المخلفات والتهاون في الحفاظ على نظافة الأماكن العامة ظاهرة مضرة بصحة كل فرد في المجتمع، وهي محصلة لعدة متغيرات وعوامل، وبدلاً من أن نسأل من المسؤول، علينا أن نفكر سوياً ونحدد كيف لنا أن نسهم في القضاء عليها، فهناك جهات عديدة يمكنها الإسهام ومنها الأسرة: لكونها المحضن الأول للفرد ومسؤوليتها في تنمية الشعور أن نظافة الأماكن العامة والخاصة وحدة متكاملة لا تتجزأ. أما المدرسة: فيجب أن ترتقي بمستويات الأهداف التربوية في المجال الوجداني من مجرد الاكتفاء بتنمية الوعي لدى الطالب بقضايا نظافة البيئة إلى جعل الطالب يتبني قيم النظافة ويحولها إلى سلوكيات وممارسات يومية، وإدارة المتنزهات العامة هي الشريك الفاعل وعليها تكثيف الجولات الميدانية لمتابعة المتنزهين وتسجيل قسائم مخالفات بيئية بحق المتهاونين، مع توفير عدد كاف من سلال المهملات والحاويات والسيارات لجمع النفايات أولا بأول، إلى جانب توفير العدد الكافي من دورات مياه وبمواصفات عالمية تحفز المتنزهين على استخدامها بدلا من قضاء الحاجة في الخلاء.
خاتمة: في زمن الطفولة علمتنا المدرسة أن النظافة من الإيمان، ولا بد منها عند ممارسة الشعائر والعبادات، كما أن فيها صحة للأبدان، لكنها لم تعلمنا أن الازدواجية القيمية سلوك بغيض في الإنسان الذي يفتخر بانتمائه لأمة الإسلام وبرمي المخلفات الورقية وبقايا الأطعمة في غير مكانها المخصص في الأماكن العامة والمتنزهات، ويضر نفسه ومجتمعه تبعاً لذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي