صورة إشراق مهداة لمن يكتب عن القضاء

للقضاء هيبة طبيعية في المجتمعات المدنية المتحضرة منها والمتخلفة. وتعمل الشعوب على اختلاف ثقافاتها على تمكين هذه الهيبة وتأصيلها في قلوب أبنائها. فالقضاء صنو المُلك وتاج الحكم وضمان الأمن. ومتى تسلط أفراد مجتمع من المجتمعات على القضاء بالطعن واللمز والتجريح سواء أكان ذلك بحق أم بباطل إلا وهو آذان بانهيار ذاك المجتمع ودخوله في ظلمات نفق الفتن والصراعات.
وتدخل الصحافة والإعلام في شؤون القضاء والجلسات والأحكام يُعد جُرما قانونيا أحيانا وأخلاقيا أحيانا أخرى في كثير من المجتمعات المتحضرة على ما تتمتع به هذه المجتمعات من حرية في الرأي والتعبير. ومن أعظم الجرائم الأخلاقية محاولة الإفساد والتفريق بين أفراد اللُحمة الواحدة، ومؤسسة القضاء عندنا من أعظم المؤسسات تلاحما مع رموزها ورؤسائها.
في بعض الصحف الشعبية في بلادنا يكتب بعض من الكتاب مقالات ظاهرها لا معنى لها يُفهم ولا فائدة منها تُرجى ولا غاية إليها تُطلب سوى تمجيد هؤلاء الكُتاب لأنفسهم بسرد ذكريات لهم مع عظماء كانوا بيننا في زمن مضى بأحواله ومناسباته. وأما إذا وُجه المقال أو أُهدي إلى شخص بعينه، فالمقال حينئذ حمال وجوه ومعان كثيرة أهونها وأيسرها قول القارئ يا ليت الكاتب سكت.
في بدايات القضاء السعودي كانت الأمور بسيطة وكان الجود من الموجود والحاجة إلى القضاة ملحة مع ترامي أطراف المملكة فكان يحدث أن يُعين في القضاء من يحتاج إلى تأهيل كخريج اللغة العربية ونحوها. وكان الشيخ محمد بن إبراهيم يقوم بتوجيه القضاة والبت في كثير من القضايا، وأما الآن فالأمور تعقدت وتشعبت وخاصة في الفترة الحالية التي نعيشها اليوم وغدا التي أصبح التغير هو جوهر نجاح تطور البلاد.
جهاز القضاء الإداري كغيره من الأجهزة الإدارية يحتاج إلى صيانة وتطوير وتغيير وتحديث. والقضاة ليسوا بمعصومين, فقد قال عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ''القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة. رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاضٍ قضى الحق فذلك في الجنّة'' رواه الترمذي. وهذا لا يعني أن ثلثي القضاة ليسوا بأهل للقضاء، فالتقسيم هنا تقسيم نوعي وعظي تذكيري تحذيري لا يلزم حدوثه. والشاهد من إيرادي للحديث هنا هو إمكانية تمكن شخص من القضاء وهو ليس له بأهل. والقاضي في بلادنا يتمتع باستقلالية كبيرة، وللقضاء والقضاة مكانة خاصة تمنع من الخوض فيهم وفي أحكامهم. ومنظومة القضاء أشبه ما تكون كعائلة كريمة لا تسلم من الخلافات والنزاعات ومن شذوذ بعض أفرادها ولكن يحرم الخوض في شؤونها ممن هو من خارج العائلة وخاصة ممن انفصل عنها ولم يعد ينتسب إليها فهو أولى وأجدر بذلك المنع والحظر. فأفراد العائلة أعرف بأمورهم المستجدة والقديمة من غيرهم ومن هنا ظهرت أهمية وجلالة منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى فهو كبير هذه العائلة.
تعاقب على رئاسة القضاء في الدولة السعودية رجال قد صنعهم الله على عينه، فكأن الله قد اطلع على قلوب هؤلاء فيسرهم في زمن مناسب لهم قد لا يصلح القضاء إلا بهم. فقامت هذه الكوكبة من الرجال بالقضاء خير قيام على ما أمكنهم الله فيه مع قلة الإمكانات وندرة المؤهلين. واليوم يمر القضاء بأعظم نقلة تطويرية نوعية على كتاب الله وسنة نبيه يقودها الزاهد العاقل الشيخ صالح بن حميد الذي يحكي حُسن سياسة القضاء عن أبيه عن معاذ وعلي وعمر عن رسول الله بسند صريح صحيح. والشيخ صالح غني عن شهادتي وعن شهادة غيري، فالشهادة له رفع لقدر الشاهد، فقد شهد الله له بما وضع له في قلوب المؤمنين من المحبة والاعتراف له بالفضل والحكمة والذكاء والورع والعلم. فكما كان هناك المؤسس الأول للقضاء السعودي الشيخ محمد بن إبراهيم الذي كان له دور كبير في تأسيس أحكام القضاء في وقت كانت الأمور فيه خالية من التعقيدات وأحوال الناس بسيطة، فالآن وفي هذه النهضة المباركة للبلاد فإن جميع المؤشرات تنبئ أن الشيخ صالح بن حميد ـ بعون الله وتسديده ـ سيصبح المؤسس الثاني والحقيقي للقضاء في زمن قد تشعبت فيه الأمور وتعقدت وأصبح التغير السريع جوهرها وأصل لنجاح الشعوب وتقدمها بين الأمم.
جعل الشيخ صالح بن حميد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلا، فاقتدي به في الأمور كلها. فهو حسن الخلق، لطيف العبارة، بشوش الوجه، طلق المحيا، مشرق الطلعة لا تغادر الابتسامة وجهه المضيء، فلا يغضب إلا مما يغضب منه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن أراد أن يُسر خاطره وتبتهج نفسه ويزداد إيمانه ويستبشر للبلاد والعباد خيرا فليحضر مجلس الشيخ صالح بن حميد يوم الأحد بعد المغرب في منزله. هناك ترى صفوة خيرة القضاة وأفاضل الناس وهم يتشاورون مع الشيخ في أمور مختلفة متنوعة والشيخ يستمع لهم ويشكرهم ويحمد لهم ويطلبهم طلب الوالد المحب ألا يبخلوا عنه بتكرمهم بالمشورة والرأي، نهجه نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ''أشيروا علي أيها الناس''. والشيخ لا يترك المشورة والآراء تنتهي في المجلس بل يوصي من يكتب فيها ومن يبحث حولها وهكذا لا تموت المشورة عنده ولا تضيع.
يا معشر الكُتاب: القضاء أمره جليل والخوض فيه قبيح وأموره يجهلها القريب والبعيد، والعالم الجليل صالح بن حميد كان وما زال وسيكون غريبا بعيدا عن كل قيل وقال، فلتنته إليه آراؤكم حول القضاء، ولتنوخ ببابه مطايا التشاكي والتجاوزات، فالشيخ عاقل حكيم قد وضع الله نصب عينيه، وأبوابه مشرعة مفتوحة في منزله ومكتبه ومسجده، يسبق ترحيبه بشاشة وجهه وجمال ابتسامته. هذا لمن كان يريد مصلحة القضاء والبلاد والعباد ومن كان يريد الآخرة فالله أعلم بنوايا عباده وسرائر قلوبهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي