إدارة الرواتب والأجور والرضا الوظيفي (4 من 6)

السؤال المحير دائما للشركات، ما حدود الأجر المرضي والعادل للعاملين؟ قد يكون الجواب السريع والعاطفي من وجهة نظر العامل أن يكون أجرا كافيا لتوفير معظم متطلبات الحياة الأساسية والكمالية للفرد وأسرته، ولكن الجواب الأكثر دقة هو الأجر المعادل لما يحصل عليه كل عامل يتساوى مع الآخر في المسؤولية والتأهيل، وبالتالي فإن الإخلال بمبدأ العدالة والمساواة في تحديد الأجور يفسد حالة الرضا عند العاملين، ففي إحدى الشركات الاستثمارية استقال أربعة من أفضل العاملين المؤهلين فيها تعبيرا عن احتجاجهم على الطريقة التي فاضل فيها رئيس الشركة بين العاملين عند صرف المكافآت السنوية، وهذا العدد يعد رقما كبيرا قياسا بحجم الشركة فقد كانوا يشكلون 10 في المائة من العدد الكلي ومع ذلك تركوا العمل فقط لأنهم شعروا بأن التفاوت في المكافأة لم يستند إلى أسس موضوعية مما أخل بمبدأ المساواة والعدالة، وعلى الرغم من محاولة رئيس الشركة معالجة الموقف لكنه لم ينجح في ذلك لأن حديثه مع العاملين انصب على سرية المكافأة وعدم جواز البوح بتفاصيلها وتحاشي الحديث عن الأسس التي جرت عليها المفاضلة، وهذا أكبر خطأ وقع فيه لكي يتجنب ردود الأفعال الغاضبة.
إن مبدأ العدل والمساواة في المعاملة مبدأ راسخ وشامل يحقق الرضا في كل مناحي الحياة وليس فقط في الأجور، فمثلا المشتري يقبل ويرضى بقيمة أي سلعة حتى وإن ارتفع سعرها إذا كانت تباع وفق آليات وحركة السوق الطبيعية، ولكنه يغضب كثيرا من البائع أو المتجر عندما يشعر بأن أحدا من العملاء حصل على السلعة نفسها بسعر أقل بصفة استثنائية لأنه ينشد المساواة في المعاملة، وبالروح والمشاعر نفسيهما، فإن العامل يرضى بالأجر الذي يحصل عليه إذا تم تحديد قدره بالآلية نفسها وكذلك يشعر بالغضب إذا وجد من يماثله في التأهيل والمسؤوليات يحصل على أجر أعلى لاعتبارات شخصية، فما من شك أن العامل النفسي يلعب دورا حاسما ومهما في تحديد مستوى الرضا لدى العاملين، فكلما شعر العاملون أن الأجور التي يتقاضونها هي نتيجة لآلية سوق العمل وقوانينه ووفق منظومة من الضوابط التي يتساوى فيها الجميع، أصبح مستوى الرضا الوظيفي في أفضل حالاته والعكس صحيح، وقد يقول قائل إن الرضا الوظيفي مرتبط بعدة عوامل وليس الأجر وحده، وهذا القول سليم ولكن تظل إدارة الرواتب والأجور وطريقة تحديدها هي العامل الرئيس الذي يشكل حالة الرضا الوظيفي عند العاملين.
عندما يعم الشعور بعدم الرضا عن الأجور داخل المنشأة يترك العاملون المؤهلون العمل بحثا عن أجور أفضل في المنشآت الأخرى، أما الغالبية العظمى ممن يستمر في العمل لعدم توافر البديل تنخفض الروح المعنوية لديهم وتسيطر على مشاعرهم موجة من السخط والاستياء العام، فتطفو على السطح بعض السلوكيات الاحتجاجية على شكل تصرفات غير مسؤولة فتارة يكون الاحتجاج موجهة نحو العمل وتكثر بسببه حالات الإهمال واللامبالاة فترتفع معدلات الأخطاء الإدارية والمصنعية التي تتطلب سحب المنتجات من مستودعات العملاء وإعادة تصنيعها وما يترتب على ذلك من تكاليف، هذا بخلاف التأثير السلبي على سمعة الشركة ومنتجاتها، وتارة يكون الاحتجاج موجها نحو العميل فترى العامل لا يكترث إن كان مستوى الأداء يرضي أو لا يرضي العميل ففاقد الشيء لا يعطيه، وتارة يكون الاحتجاج موجه نحو المديرين والرؤساء المباشرين فتجد بعض العاملين يعارضون كثيرا أسلوب وطريقة عمل المسؤولين ويكثرون من إبداء الملاحظات الخلافية فيصبحون عناصر معطلة لانسيابية العمل، وتارة يكون الاحتجاج موجه نحو العاملين فيما بينهم فتراهم يختلفون كثيرا على ما يقومون به من عمل وكل يحمل الآخر مسؤولية أداء المهام أو يتنصل من مسؤولية الأخطاء ويرميها على الأطراف الأخرى فتغيب روح المشاركة والتعاون فيما بينهم.
عندما تعيد الشركات حساباتها وتفكر جيدا في حجم الخسائر المتوقعة من جراء حدوث الاحتجاجات غير المباشرة على مستوى الأجور تدرك حجم الخطأ الذي قد ترتكبه في ممارسة الضغط المستمر على بند الأجور بغرض تخفيض التكاليف لصالح تعظيم مستويات الأرباح، لأن ذلك سيكبد المنشأة تكاليف كبيرة غير منظورة جراء كثرة الأخطاء وما تتطلبه من تصحيح إضافة للخسائر المادية والمعنوية الناتجة عن السلوكيات غير المسؤولة تجاه العمل أو مع العملاء أو مع الرؤساء المباشرين أو مع العمال فيما بينهم، وقد يقول قائل إن الحل لمثل ذلك ليس بتحسين مستوى الأجور وإنما بمحاسبة العامل المقصر أو المتسبب في مثل هذه الأخطاء واستبداله بعامل آخر إن لزم الأمر، وقد يكون هذا الإجراء حلا ولكنه ليس بأفضل الحلول، فكما يقال الوقاية خير من العلاج فإدارة الرواتب والأجور وفق معيار الأداء والكفاءة وتصحيح مستوى الأجور إلى الحد الذي يقابل حجم ومسؤولية الوظيفة مقارنة بما تدفعه المنشآت المماثلة هو الحل الأفضل للحد من الشعور بعدم الرضا لدى العاملين، وبالتالي تتجنب المنشأة الاحتجاجات غير المباشرة التي قد تكون تكاليف معالجتها والخسائر الناتجة عنها أضعاف أضعاف ما قد تصرفه على تعديل بند الأجور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي