حتى لا نهدر فُرص الأزمة المالية العالمية!!
ما إن هدأت ثورة بركان الأزمة المالية العالمية، حتى بدأت كل دولة بنفض غبار الأزمة عن مؤسساتها المالية والتجارية وشرعت في تقييم الأضرار التي نجمت عن هذه الكارثة الاقتصادية علها تجد ما يستحق الإصلاح، واقتناص إن كان ثمة فُرصة لتعويض بعض الخسائر. إن التاريخ في حركة مستمرة وتطور، وعليه فإن الوضع الراهن في البلدان النامية يثير التساؤُل عن مدى جديتها في محاولاتها كسر حلقة الفقر المُفرغة للخروج من عنق الزجاجة والوصول إلى التنمية المستدامة عن طريق زيادة كفاءة الأجهزة الإنتاجية ومن ثم الدخل الحقيقي. ففي السبعينيات الميلادية ظهرت دعوات لتشكيل نظام اقتصادي عالمي، بحيث تتم مناقشة مفرداته عبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو من خلال المحادثات الثنائية لكل دولة على حدة بُغية الوصول إلى تصورات ناضجة تخدم البلدان المتقدمة (الشمال) والبلدان النامية (الجنوب)، وفي هذه الأثناء توجهت الأنظار إلى الدول العربية بعامة والخليجية بخاصة وعلى رأسها المملكة للمساهمة في صياغة هذا النظام والمشاركة الفاعلة في تطبيقه، خاصةً أن هذه البلدان تمتلك من الموارد والخبرات ما يؤهلها للقيام بهذا الدور الحيوي المهم وبما يحقق الفوائد الجمة للبلدان النامية بعامة والعربية على وجه الخصوص. من المعلوم أن اهتمام الاقتصاديين بدول الخليج العربية وفي مقدمتها المملكة يتبلور من خلال ثلاثة مصالح رئيسية تُشكل الثقل السياسي والاقتصادي العربي وتشمل النفط، العلاقات المالية والتجارية الدولية. فالمملكة معروفة بمكانتها في السوق البترولية كأكبر احتياطي عالمي، حيث تحتوي على أكثر من 25 في المائة من الاحتياطي النفطي العالمي المعروف، بينما دول المجلس مجتمعه تمتلك من الاحتياطيات النفطية المؤكدة ما يربو على 50 في المائة من الاحتياطي العالمي، ومن الغاز الطبيعي 41.4 تريليون متر مكعب. إنتاج النفط لدول المجلس بحدود 20 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2007م، الذي شكل نحو 40 في المائة من إجمالي صادرات المجلس. فعلى سبيل المثال كان إنتاج المملكة من النفط في المتوسط بحدود 9.35 مليون برميل من النفط الخام يوميا عام 2007م، بحيث قُدرت إيرادات النفط للدول الخليجية لعام 2008م بأقل من 600 مليار دولار مقارنة بـ 381 مليار دولار عام 2007م، مع نمو اقتصادي سنوي بحدود 6.7 في المائة لعام 2007م. من الثابت أن مشاركة المملكة ضمن قمة الـعشرين لم تأت من فراغ، إنما تتويجا لجهودها الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي، فالمملكة قلب العالم الإسلامي ومركز الثقل في العالم العربي، وبإمكاناتها السياسية، الدينية، والاقتصادية ذات تأثير نافذ. في الواقع، قيادتنا الحكيمة تعمل على تضافر الجهود الدولية بكافة أبعادها لخدمة الإنسانية جمعاء في أي زمان ومكان، ومن ضمنها مشاركتها ودعمها السخي لكافة الأقطار من خلال المساهمة في كافة الصناديق والمنظمات العربية والدولية. وحتى تكون الصورة أكثر إشراقاً، فالمملكة لم تبخل في يوم من الأيام حتى في أحلك الظروف الاقتصادية والمالية في الوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها حيث قدمت مساعدات هائلة للدول العربية والإسلامية والمنظمات الإقليمية والدولية على حدٍ سواء على شكل قروض وهبات ومعونات مادية ومالية، وقد بلغت المساعدات المالية للدول العربية والإسلامية أكثر من 2.5 مليار دولار عام 2000م، وارتفعت لتصل إلى أعلى من 2.8 مليار دولار عام 2003م. من جهة ثانية، فقد كان لمساهمة المملكة في مكونات المؤسسات المالية المتنوعة أكبر الأثر في وضعها بالمكانة اللائقة بها، حيث ساهمت بنحو 15 في المائة من رأس مال الصندوق العربي، وأكثر من 3 في المائة في صندوق النقد الدولي عام 2007م، بينما ساهمت بنحو 30 في المائة من صندوق أوبك و24 في المائة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، ونحو 25 في المائة من البنك الإسلامي للتنمية، و25 في المائة من المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا وغيرها كثير من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية التي لا يتسنى المجال لحصرها. أما في مجال التجارة البينية بين دول المجلس أو بينها وبين الدول العربية فما زالت دون المستوى المطلوب، حيث سجل حجم التجارة الخارجية للكتلة الخليجية بأعلى من 125 مليار دولار للصادرات بينما بلغت الواردات أكثر من 123 مليار دولار لعام 2003م. تاريخياً نجحت الدول المتقدمة من فرض كياناتها على الدول الأخرى من خلال توظيف المعونات والهبات بما يخدم مصالحها، وفي اعتقادي أن الفرصة مهيأة للمملكة ودول الخليج ككتلة سياسية واقتصادية تُمسك بزمام بعض المُؤثرات الاقتصادية الدولية للاستفادة من الفُرص المتاحة وتوظيفها بالعمل على توفير التسهيلات لمواطنيها ومصالحها، إيجاد موطئ قدم لتحقيق تطلعاتها السياسية والعسكرية، توظيف التكنولوجيا لشؤونها الدفاعية والمدنية المُختلفة، علاوة على المُشاركة الفاعلة في المؤسسات المالية الدولية من خلال إعادة رسم سياساتها وتوفير شروط أكثر مرونة لصالح الدول العربية. كما أن الفرصة مازالت سانحة من خلال إعادة توظيف بعض الأموال في الأماكن ذات الجذب من خلال مراجعة شاملة لسياساتنا الاستثمارية بكافة أنواعها والتركيز في إدارتها على الكفاءات العلمية المُؤهلة. بلا شك فإن توظيف علاقاتنا الاقتصادية الدولية من خلال الوجود الدائم في القمم القادمة وطرح تصوراتنا للأوضاع المستقبلية مع إيماننا التام بقدرة المملكة على استثمار علاقاتها الدولية سيحقق - بإذن الله - المصالح العربية العُليا السياسية والاقتصادية.