إنفلونزا الخنازير بين الخوف والاستغلال

أصبح طاعون العصر بمفهومه الجديد يمثل الخوف الأكبر لدينا خصوصا في المملكة، فلم أر على سبيل المثال خلال وجودي في بريطانيا خلال آب (أغسطس) هذا الكم من الهلع كما أراه لدينا، على الرغم من إعلانات الحكومة البريطانية عن 100 ألف حالة خلال أسبوع واحد. وشخصيا لم أستطع تفسير سبب الهلع الكبير لدينا وعدم الخوف لديهم، والتفسير الوحيد الذي وجدته هو في ارتفاع نسبة الوعي لديهم سواء في هذا المرض أو غيره من ممارسات الحياة, بينما لدينا اجتمعت قلة الوعي مع غياب الطرق الصحيحة لنشر الوعي.
وحديثي اليوم يأتي في السياق نفسه, فقد ذكر لي بعض الأصدقاء عن حالات استغلال كبير في بعض مستشفيات القطاع الخاص لبعض المراجعين سواء من هم على حسابهم أو من هم على تأمين طبي, حيث يأتي المراجع بإنفلونزا عادية فيقوم بعض من لا يخافون الله ولا يخشون القانون في تلك القطاعات باللعب على عنصر الخوف والجهل لدى المراجعين بأن يعرضوا عليهم فحصا كاملا وشاملا للتأكد من خلوهم من فيروس إنفلونزا الخنازير, وقد يستخدم هؤلاء التخويف بحيث يذكرون أنهم يشتبهون في وجود الفيروس وللاحتياط فإنهم يجب أن يقوموا بعمل الفحوص والتحليلات الكاملة, وإلا فإنهم غير مسؤولين عن تداعيات ذلك المرض., على طريقة خوفهم بالموت يرضون بالمرض.
قد لا يمكن تعميم هذا التصرف, ولكن لا يمكن نفي حدوثه, وهنا الحديث على شقين. أولاً الحاجة إلى رفع مستوى الوعي وهو ما أسهب كثيرون فيه, حيث إن مجتمعنا أصبح يعج بالقصص الخيالية عن الإصابات والوفيات وآلية حدوثها كذلك فإن المجالس أصبحت تتنافس في أرقام الإصابات في المملكة أو أرقام الوفيات, لدرجة أن الأرقام وصلت إلى الملايين على الرغم من الإعلانات الدورية التي تقوم بها وزارة الصحة تؤكد أن الأرقام ما زالت وفق المعدلات الطبيعية. وطبعا هذا تأكيد على مجتمع الشائعات ووكالة يقولون التي تغطي حياتنا بالكامل. ولكن هذا لا ينفي الحاجة الملحة إلى الخروج من حملات الوعي التقليدية إلى حملات وعي مختلفة, يجب الاستعانة بخبراء في التسويق والاتصال والإعلام للوصول إلى نتائج حقيقية من حملة الوعي الصحي والاجتماعي لمواجه هذا الوباء وتعليم الناس كيفية الوقاية وليس كيفية العلاج.. ريال وقاية خير من قنطار علاج.
الجانب الآخر من المعادلة هو الجانب الاقتصادي, حيث إن الاستغلال الرأسمالي القذر لبعض المستشفيات كما أسلفنا, هو إهدار لموارد الدولة والقطاع الخاص والناس في سبيل النجاة من المرض الذي استغل بشكل سلبي, وهنا (سأتجنب الحديث عن نظرية المؤامرة حول أسباب المرض وعلاقة شركات الأدوية العالمية به)، إن المبالغ التي تصرفها الدولة وتلتزم بها شركات التأمين الطبي ويصرفها المواطن, هذه المبالغ يجب ألا تذهب ضحية طمع واستغلال أصحاب النفوس الرأسمالية الدنيئة, وفي رأيي أن على قدر اهتمام الدولة بمحاربة المرض يجب أن تحارب الاستغلال التجاري الجشع. كذلك الجانب الآخر من الاستغلال هو ارتفاع مبيعات منتجات متعددة, وأنا هنا لا أنفي الحاجة إلى شراء بعض المنتجات على سبيل الوقاية, ولكن أن يصل الحال إلى أن يقوم بعض الناس باستخدام أدوية أو مضادات معينة استباقا لحدوث المرض فإن هذا الموضوع يحمل الجانبين التوعوي والتجاري. يجب ألا تأخذنا تهديدات المرض من التركيز في بعض الأساسيات التي قد تجنب البلاد العباد – بحول الله – كثيرا من التبعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي