أحلام بلا واسطة..!

من حق كل إنسان في هذا العالم أن يملأ حقيبة أحلامه بما شاء.. فالحلم حق مشروع، وهو وقود الحياة إن لم يتحول إلى كابوس أو يصاب بإعاقة ما استجابة لما يفرضه الواقع.
كل شيء في هذه الدنيا يولد صغيراً ويكبر عدا الأحلام، فإنها تولد كبيرة ثم تبدأ في التناقص شيئاً فشيئاً بعد أن ينتف الواقع ريشها وتعبث بها مجريات الوقت والظروف، وقلة من الناس من يحققون أحلامهم الكبيرة، لكنهم يرونها صغيرة بمجرد تحقيقها، وقد يردد بعضهم عندها «كان يجدر بي أن أحلم بحلم أكبر من هذا!».
يحلم طالب مجد وهو على مقاعد الدراسة بأن يتخرج في المرحلة الثانوية بامتياز، وأن يلتحق بأفضل الجامعات، ويحصل على أفضل الوظائف بعد تخرجه فيها، ومعها زوجة الأحلام ومنزل الأحلام، فيتخرج في المرحلة الثانوية بامتياز، ويفشل في اختبار القياس لسبب أو آخر.. ثم يمكث في منزل والده أشهراً وقد تمتد إلى سنوات متأبطاً ملفاً أخضر يقاسمه لسعات الحر وسياط البرد خلال تنقله من جامعة إلى أخرى بحثاً عن فرصة لإكمال تعليمه الجامعي، لكنه ييأس في آخر المطاف ويلعن الساعة التي حلم فيها بالدراسة الجامعية، ليبدأ في رحلة جديدة للبحث عن عمل.. يأخذ سنوات في طَرق أبواب الشركات والمؤسسات والتنقل من مكتب العمل إلى وزارة الخدمة المدنية دون جدوى.. يتضاءل الحلم ويتمنى أن يحصل على وظيفة «كاشير» في سوبر ماركت، أو حارس أمن في أي مكان .. المهم أن يحصل على عمل، وبعد عناء يأتي الفرج عبر اتصال من سلسلة مطاعم بحاجة إلى مباشرين و طباخين سعوديين تحت ضغط من أنظمة العمل الخاصة بالسعودة، يلتحق بالعمل أخيراً.. ويحمد الله كثيراً على حصوله عليه رغم أن راتبه لا يكفي لعشاء شخص واحد لمدة شهر، لكنه أفضل من لا شيء.. المطعم الذي يعمل فيه يقدم له الوجبات مجاناً.. يا لها من نعمة عظيمة (يردد ذلك في نفسه قبل أن يبدأ في دوزنة أحلام جديدة!).
طالب آخر لم يحلم أبداً بأي شيء قبل تخرجه في الثانوية بتقدير جيد، فخاله الذي يتسنم منصباً قيادياً في إحدى الشركات المساهمة الكبرى ظل لسنوات ينتظر تخرجه على أحر من الجمر.. يتسلم شهادته ويتجه إلى مكتب الخال فوراً ليلاقيه بالترحاب والقهوة والشاي والضحكات، وقبل أن يذهب إلى المنزل مبشراً أمه بنجاحه يحصل على وظيفة بمسمى مدير مكتب الخال، وبراتب أفضل من راتب معلمين تخرجا قبل عامين في جامعة في المنطقة الجنوبية وتم تعيينهما في إحدى هجر الحدود الشمالية، يبدأ صاحبنا بمهام عمله.. بعد شهرين يشعر بالملل من نوعية العمل.. يصارح خاله بالأمر، وقبل أن تنقضي ساعات دوام ذلك اليوم، يصدر قرار بابتعاثه على حساب الشركة للدراسة في فلوريدا.. كل الأحداث في حياة هذا الإنسان تأتي هكذا دون أن تسبقها أي أحلام أو مقدمات، يعود من بعثته ليتسلم منصباً مرموقاً في الشركة.. بعد سنوات يدخل مكتبه مستعجلاً ويلقي ببشته على الكرسي ويتصل هاتفياً بابن أخيه الذي نشر اسمه في الصحف قبل يوم واحد ضمن خريجي الثانوية العامة.. يطالبه بالحضور لمكتبه بمجرد تسلم الشهادة، وبعد أن يغلق سماعة الهاتف يتعالى ضجيج خارج مكتبه، يخرج ليستطلع الأمر.. يخبره السكرتير بأن سبب الضجيج هو رغبة مجموعة من الغوغائيين الجامعيين الحالمين بالوظائف، في الالتقاء به بعد أن أبلغهم مدير الموارد البشرية بعدم وجود وظائف شاغرة في الشركة، عندها يضرب كفاً بالأخرى مردداً: قل لهم أن يتقدموا لمكتب العمل.. هذه شركة مساهمة وليست جمعية خيرية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي