السيارات الكهربائية والتنمية المستدامة
إن المفتاح إلى التحكم في تغير المناخ يكمن في التكنولوجيا المحسَّنة. ويتعين علينا أن نبحث عن طرق جديدة لإنتاج واستخدام الطاقة، وتلبية احتياجاتنا من الغذاء، والانتقال، وتدفئة وتبريد منازلنا، على أن تسمح لنا هذه الطرق بالحد من استخدامنا للنفط والغاز والفحم والمخصبات النيتروجينية، وغير ذلك من مصادر غازات الانحباس الحراري المسببة لتغير المناخ.
هناك ما يكفي من الخيارات الجيدة المتاحة، الأمر الذي يشير إلى أن العالم قادر على إنجاز هدف السيطرة على تغير المناخ بتكاليف معقولة (ربما 1 في المائة من الدخل العالمي سنوياً) وفي الوقت نفسه تمكين الاقتصاد العالمي من الاستمرار في النمو ورفع مستويات المعيشة. والتطور الأكثر إثارة في الأفق الآن يتلخص في نشوء ذلك الجيل الجديد من السيارات الكهربائية.
في الأيام الأولى لصناعة السيارات في أواخر القرن الـ 19، كان التنافس بين أنواع عديدة من السيارات ـ التي كانت تعمل بالمحركات البخارية أو بالبطاريات أو بمحركات الاحتراق الداخلي. وكان الفوز في تلك المنافسة لمحركات الاحتراق الداخلي العاملة بالبنزين والديزل بعد النجاح الذي حققه «النموذج تي» (أول سيارة تنتج تجارياً)، والتي نزلت أولاها من على خط الإنتاج في عام 1908. وبعد 100 عام عادت المنافسة إلى الاشتعال من جديد.
لقد بات عصر المركبات الكهربائية على الأبواب. كانت «تويوتا» قد طرحت الطراز بريوس في عام 1977، وكان عبارة عن السيارة الكهربائية الهجين التي كانت بمثابة الانطلاقة الأولى. فمن خلال وصل مولد صغير وبطارية قابلة لإعادة الشحن لنظام الكبح في سيارة عادية، عزز ذلك النموذج الهجين المحرك الطبيعي بمحرك يستمد طاقته من الكهرباء. ومنذ ذلك الوقت تحسنت المسافة التي تستطيع هذه السيارة قطعها في مقابل كل جازولين من البنزين إلى الحد الكافي لإنتاجها تجارياً، وستصبح السيارات الموفرة للبنزين أكثر قدرة على الاستمرار تجارياً حين يدفع المستهلكون الضرائب عن ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه سياراتهم.
ما زال عدد كبير من الابتكارات على الطريق، تحت قيادة السيارة الهجين التي ستطرحها شركة جنرال موتورز، من طراز شيفي فولت، بحلول نهاية عام 2010. وفي حين كان الطراز بريوس يعمل بمحرك احتراق داخلي عادي مع إضافة محرك كهربائي صغير، فإن شيفي فولت ستكون سيارة كهربائية أضيف إليها محرك بنزين.
وستكون بطارية الشيفي فولت أحدث طراز من بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن، وهي تَعِد بمدى يصل إلى 40 ميلاً لكل شحن، ومدة ست ساعات لإعادة الشحن باستخدام مقبس جداري عادي. وطبقاً لأنماط القيادة النموذجية فإن الطراز شيفي فولت سيضيف عدداً كبيراً من الأميال إلى المسافة التي تستطيع أن تقطعها السيارة بالبطارية إلى حد سيجعلها قادرة على قطع 230 ميلاً لكل جالون من البنزين!
كان لاري بيرنز، رئيس قسم البحوث والتطوير المبدع لدى «جنرال موتورز» حتى تقاعده أخيرا، يرى في السيارة الكهربائية أكثر من مجرد فرصة لتوفير البنزين، رغم أهمية هذا الهدف. وطبقاً لبيرنز, فإن عصر السيارات الكهربائية سيعيد صياغة شبكة الطاقة، ويعيد تعريف أنماط القيادة، ويحسن عموماً من جودة الحياة في المناطق الحضرية، حيث سيعيش القسم الأعظم من سكان العالم.
أولاً، سيكون هناك العديد من أنواع السيارات الكهربائية، بما في ذلك السيارات الهجين (التي تعمل بالبطاريات والبنزين)، والسيارات التي تعمل بالكامل بالبطاريات، والسيارات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجيني (وهي في الأساس عبارة عن بطارية يغذيها مصدر خارجي بالهيدروجين. وستكون هذه المركبات المختلفة قادرة على الاستفادة من مصادر لا تعد ولا تحصى للطاقة.
فسوف يكون بوسعنا أن نستخدم الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية ـ وكلها أشكال من الطاقة لا تتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون ـ لتغذية شبكة الطاقة التي ستعيد شحن البطاريات. وعلى نحو مماثل فإن مصادر الطاقة المتجددة هذه من الممكن أن تستخدم لتحليل الماء إلى الهيدروجين والأكسجين، حيث يصبح بوسعنا استخدام الهيدروجين لمد خلايا الوقود الهيدروجيني بالطاقة.
ثانياً، ستلعب سعة التخزين لأسطول السيارات الجديد دوراً مهماً في تثبيت استقرار شبكة الطاقة. ذلك أن السيارات العاملة بالبطاريات لن تستمد الطاقة من شبكة الكهرباء أثناء إعادة شحنها فحسب، بل ومن الممكن أيضاً أن تعمل على رد قدرٍ إضافي من الطاقة إلى الشبكة عند توقفها عن السير، أثناء فترات ذروة الطلب. وهذا يعني أن أسطول السيارات الجديد سيصبح جزءاً من شبكة الطاقة الإجمالية، وستدار بكفاءة (وعن بُـعد) لتحقيق أفضل توقيت لإعادة الشحن أو إعادة الشحن إلى الشبكة.
ثالثاً، ستفتح السيارات الكهربائية دنيا جديدة من المركبات «الذكية»، حيث سنتمكن بفضل أنظمة الاستشعار والتواصل بين المركبات من توفير الحماية من التصادم، وتوجيه مسارات المرور، وإدارة المركبات عن بعد. وبهذا فإن تكامل تكنولوجيا المعلومات ونظام دفع المركبات سيزودنا بمعايير جديدة للسلامة والراحة والصيانة.
هذه أفكار مثالية، ولكنها في متناول أيدينا تكنولوجياً. ولكن تطبيق هذه المفاهيم سيتطلب أشكالاً جديدة من الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ستتعاون شركات صناعة السيارات، وشركات المرافق، وشبكات تقديم خدمة الإنترنت، والجهات الحكومية المسؤولة عن تعبيد الطرق من أجل تقديم نظام متكامل. وستحتاج كل هذه القطاعات إلى ابتكار طرق جديدة للتنافس والتعاون فيما بينها. ويتعين على القطاع العام أن يقدم التمويل اللازم لتمكين الجيل الجديد من المركبات من الوصول إلى السوق تجارياً ـ من خلال الإنفاق على البحث والتطوير، وتقديم الإعانات للمستهلكين، ودعم البنية الأساسية التكميلية (على سبيل المثال، منافذ إعادة الشحن في الأماكن العامة).
إن عصر السيارات الكهربائية الجديد يشكل مثالاً للفرص السانحة التي يتعين علينا أن ننتهزها بينما نشق طريقنا من عصر الوقود الأحفوري غير المستدام إلى عصر جديد من التقنيات المستدامة. واليوم يتشاحن مفاوضو المناخ فيما بينهم لأنهم لا يرون في تغير المناخ غير النواحي السلبية: على سبيل المثال من سيتحمل التكاليف المترتبة على تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري.
غير أن رؤية بيرنز للسيارات تذكرنا بأن الانتقال إلى الاستدامة من الممكن أن يقودنا إلى إحداث طفرات حقيقية في نوعية الحياة. وهذا لا يصدق على السيارات فحسب، بل ويصدق أيضاً فيما يتصل باختيارنا لأنظمة الطاقة، وتصميمات البناء، والتخطيط الحضري، وأنظمة التغذية (حين نتذكر أن إنتاج الغذاء وتشغيل وسائل النقل مسؤولان عما يقرب من سدس إجمالي الانبعاثات الضارة المسببة للانحباس الحراري العالمي.يتعين علينا أن نعيد التفكير في التحديات المناخية باعتبارها فرصة لتبادل الأفكار على مستوى العالم والتعاون الحقيقي في تحقيق سلسلة من الطفرات التكنولوجية التي ستقودنا بالتالي إلى التنمية المستدامة. فبتسخير التقنيات الهندسية المتطورة وإيجاد أشكال جديدة من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، نستطيع أن نعجل بانتقال العالم أجمع إلى عصر التقنيات المستدامة، وما سيصاحب ذلك من الفوائد والمنافع التي ستعود على البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء ـ وبالتالي سنتمكن من وضع الأساس السليم للاتفاقيات الدولية بشأن تغير المناخ، وهو الأمر الذي أثبت صعوبته الشديدة حتى الآن.