أوسعتهم شتماً وسارت "الخنازير" بالأرواح

يذكرني بعض وزراء الصحة العرب في تعاملهم مع أزمة إنفلونزا الخنازير بحكاية الأعرابي الذي تعرض لهجوم من غزاة سرقوا نوقه وجماله وإبله, وعندما عاد إلى عشيرته وسألوه عما حدث قال: "أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل". وهذا يتطابق مع بعض وزراء الصحة العرب الذين يطلقون التطمينات، لكن في المقابل إنفلونزا الخنازير تفتك بالبشر وترتفع معدلات الإصابة بها التي تصل إلى الوفيات. كان أمام وزراء الصحة العرب, بصفتهم الجهة المعنية بملف هذه الأزمة, وتحديدا من ينتسبون إلى الدول الفقيرة, المطالبة بإنشاء صندوق مالي عربي وإسلامي لجمع التبرعات الشعبية والدولية للصرف على تحسين الوضع الصحي والتعليمي لحماية الطلاب, من خلال إنشاء المزيد من المنشآت التعليمية في التعليم العالي والتعليم الفني والتعليم العام والمعاهد والأكاديميات, لفك الاختناقات الطلابية وازدحام الطلاب في القاعات والفصول والساحات, وفتح المزيد من المراكز الصحية وتوفير الأدوية والأجهزة والمختبرات الطبية, ليس لإنفلونزا الخنازير فقط, وإنما لمواجهة جميع الفيروسات.. أما الدول العربية الغنية, فبدلاً من أن يوجه وزراء صحتها رسائل التطمينات بأن الوضع لم يصل إلى درجة الوباء, وكأننا ننتظر حتى يصبح وباء ويفتك بالأخضر قبل اليابس, بالأصحاء قبل المرضى .. بدلاً من رسائل الاطمئنان والتقارير التي تقوم في معظمها على التهدئة والتعامل معه كأي مرض طارئ وعابر, كانت أمامهم وما زالت فرصة ثمينة لإنشاء صندوق مالي لمواجهة إنفلونزا الخنازير والفيروسات الأخرى, والشروع في إجراءات تنفيذية على أرض الواقع, بإعادة هيكلة المنشآت التعليمية والمراكز الصحية وإعادة هندسة وتخطيط مباني التعليم لتناسب أجواءنا, خاصة في بلادنا المملكة العربية السعودية ـ حماها الله من أي مكروه ـ لأننا سنوياً نتعرض لفيروسات وافدة تأتي مع موسمي الحج والعمرة وأجواء الغبار التي تشكلت في السنوات الأخيرة لتصبح موسماً ثابتاً يغطي سماء جميع مناطق المملكة، فالقوس الرملي الذي يتوسط بلادنا ويمتد من شمال غربها حتى الركن الجنوب الشرقي: رمال النفود الكبير والدهناء والثويرات والجافورة والربع الخالي, يشمل تأثيره ضفتي القوس الرملي, إضافة إلى الرمال الموسمية التي تهب علينا من العراق شمالاً ومن صحراء إفريقيا غرباً لتصبح حالة دائمة. إذن هي فرصة ثمينة للحصول على ميزانيات واعتمادات مالية لإعادة بناء تلك الأجهزة التعليمية والطبية لمواجهة الفيروسات والغبار, لذا يتطلب على سبيل المثال إعادة بناء المنشآت التعليمية بنظام الوحدات المنفصلة, مثلاً في التعليم العام يتم بناء وحدات للفصول الأولية ووحدات منفصلة للفصول العليا في المرحلة الابتدائية داخل سور واحد, ووحدات للإدارة المدرسية ليكون للمعلمين والمعلمات غرف مستقلة، حيث يكون لكل معلم غرفة مستقلة يرعى فيها الجانب التربوي بدلاً من نظام الصالة الكبيرة التي لا تحقق الخصوصية, مع إيجاد ممرض وغرفة للعزل وعيادة تكون جزءاً من التخطيط المدرسي وجزءاً من نصاب الهيئة الإدارية لكل مدرسة, وكذلك الحال في الكليات والأكاديميات. كان أمام الوزراء وما زالت فرصة للاستفادة من هذا المرض الطارئ لتحسين البيئة في المدارس التعليمية والجامعات, ومن أهمها: المنشأة التعليمية وزيادة الوظائف المؤقتة لهيئة التدريس لفك اختناقات بعض المباني التعليمية وتحويل الدراسة فيها إلى مسائية بدلاً من أن يعيدوا حكاية ذلك الأعرابي الذي أوسع الغزاة بالشتائم وغنم الغزاة الإبل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي