الممثل النظامي للشخص المعنوي: عود على بدء
سبق لي أن نشرت مقالاً في هذه الصحيفة بعنوان "الممثل النظامي للشخص المعنوي في نظام المحاماة السعودي" نشر في العدد رقم 5175 وتاريخ 3/12/1428هـ الموافق 12/12/2007م، صفحة الرأي، أعتبره الكثير من رجال الاختصاص مقالاً تفسيرياً لنصوص نظامية، ونزولاً عند رغبة الكثير ممن قرأوا المقال وطلبوا المزيد من التحليل فإنه يشرفني العودة إلى الكتابة حول هذا الموضوع الواضح – في رأينا – من الناحية النظامية أو كما قال أحد القراء في تعليقه " ...... جاء مقالكم ليثلج الصدر ويعزز النص النظامي الذي لا يرغب كثير من المحامين مع الأسف النظر إليه".
إن أساس الإشكال القائم لدى البعض يعد إشكالاً مصطنعاً، فالتعميم الصادر من مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في محافظة جدة بتاريخ 1/5/1428هـ - الذي أدى إلى تردد بعض أعضاء مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية عن قبول ترافع موظفي شركات السيارات والتقسيط بحجة أن الترافع عن هذه الشركات مقصور على مدير الشركة دون منسوبي الإدارة القانونية لتلك الشركات - يعد تعميماً صادراً من جهة ليست ذات اختصاص، إذ إن الاختصاص في كل ما يتعلق بشؤون مهنة المحاماة ينعقد حصراً لمقام وزارة العدل وهذا ما أكد عليه معالي وزير العدل في كتابه الموجه لمعالي وزير التجارة والصناعة بعد صدور نظام المحاماة الذي جاء فيه ما يلي: "بناء على صدور نظام المحاماة بالمرسوم الملكي رقم (م/38) وتاريخ 28/7/1422هـ وتكليفنا بوضع اللوائح له والعمل على تنفيذها. وحيث تم بحمد الله صدور اللائحة التنفيذية للنظام بقرارنا رقم 4649 وتاريخ 8/6/1423هـ، كما تم إنشاء إدارة عامة في جهاز الوزارة تعنى بالمحامين وشؤونهم وهي ( الإدارة العامة للمحاماة )، لذا نود إحاطة معاليكم بذلك ونأمل توجيه المختصين لديكم بالتنسيق في كل ما يخص شؤون المحامين مع الإدارة العامة للمحاماة في الوزارة على عنوان الإدارة العامة للمحاماة – جهاز الوزارة – ص. ب (7775) الرمز البريدي (11472) – هاتف رقم (4122081)".
إضافة إلى أعلاه، أوضح سعادة مدير إدارة الإعلام والنشر في وزارة العدل في تعقيبه المنشور في صحيفة "الجزيرة" الموجود أيضاً في موقع وزارة العدل، أن السماح لغير المحامين بالمرافعة والمدافعة سببه المصلحة العامة كون مهنة المحاماة تعد مهنة حديثة في بلادنا، إضافة إلى قلة عدد المحامين المرخص لهم في المملكة، الأمر الذي جعل الاستثناء في هذه الحالة لغرض الصالح العام الذي ينشده أي نظام.
لذا، يكون الإعلان المذكور دون سند نظامي لصدوره ابتداء من جهة ليست ذات اختصاص، ولمخالفته نظام المحاماة ولائحته التنفيذية بشكل عام والمادة 18 من نظام المرافعات الشرعية الواردة في الباب الأول، الأحكام العامة، هذا من ناحية، ولإضافته عبارة غير موجودة في الفقرة 18 (ج) من نظام المحاماة وهي "مدير الشركة" ويبدو أن الخطأ في إضافة هذه العبارة يكشف للقارئ الكريم الإرادة الباطنة لمن يقف خلف إصدار مثل هذا التعميم اليتيم.
كما أنه من ناحية شرعية فإنه وعلى افتراض أن المعني بالممثل النظامي للشخص المعنوي المدير فقط، فإن قيام المدير بتوكيل الغير لا يعد من باب التوسع في الاستثناء بل توسيعاً لدائرة الشمول وليس التقييد الذي يفهم من الإعلان المذكور وهذا هو الهدف من الاستثناء الوارد في المادة 18 من نظام المحاماة ولائحته التنفيذية. كما أنه من المستقر شرعاً أن كل من ملك أمراً تجوز فيه النيابة كان له الحق في توكيل غيره فيه إذا كان ملكه مطلقاً، فقد جاء في "المُغني" و"الشرح الكبير" لابن قدامة، المجلد الخامس، صفحة 215 في المسألة 3748 "لا يخلو التوكيل من ثلاثة أحوال" أحدها "أن ينهي الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف، لأن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يكن يوكله، الثاني: أذن له في التوكيل فيجوز له ذلك لأنه عقد إذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذين خلافاً، الثالث: أطلق الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة أحدها " أن يكون العمل مما يرتفع عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو بعجز عن عمله لكونه لا يحسنه أو غير ذلك، فيجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعلمه الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه، القسم الثاني: أن يكون مما يعمله بنفسه إلا أنه يعجز عن عمله كله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله ". إذن هذا الحكم الشرعي الواضح لا يقيد مدير الشركة بل يمنحه حق توكيل من يشاء أسوة بالموكلين الآخرين. ولا يوجد في هذا الحكم تمييز كون الموكل مستثنى أو غير مستثنى، فالحكم يعمل به على إطلاقه، استناداً إلى القاعدة الشرعية التالية: "المطلق يعمل به على إطلاقه إلى أن يرد ما يقيده"، وحيث لا يوجد ما يقيد الإطلاق الذي أعطي مدير الشركة المستثنى حق تمثيل الشركة، فإنه يكون من المتعين شرعاً العمل بذلك على إطلاقه وبحيث يحق للمدير المفوض توكيل غيره بإطلاق فيما فوض فيه.
عليه، فإن استمرار البعض في التسويق للتعميم المذكور يعد أمراً مخالفاً للنظام والواقع، يؤيد ذلك عدم تمكن اللجنة الوطنية للمحامين من إصدار أي توصية بخصوص حصر الممثل النظامي للشخص المعنوي في مدير الشركة. كما أن قيام أصحاب الفضيلة كتاب العدل أخيرا بتأصيل المفهوم السليم لماهية الممثل النظامي للشخص المعنوي عن طريق إصدار وكالات شرعية لموظفي الشركات تتضمن في آخرها "باعتباره ممثلاً نظامياً للشركة وبما يتمشى مع المادة 18 من نظام المحاماة" تأكيداً لما ذهبنا إليه في مقالنا السابق من أن الممثل النظامي للشخص المعنوي الذي يحق له المرافعة والمدافعة نيابة عن الشخص المعنوي يكون إما مدير الشركة وإما من يقوم مقامه أو من يمثله، وهو ما يعني إمكانية قيام مدير الشركة إصدار وكالة شرعية لأحد موظفي الشركة ليكون ممثلاً نظامياً لهذه الشركة وبحيث يتولى أعمال المطالبة والمرافعة والمدافعة بموجب وكالة شرعية تصدر من كاتب العدل تمشياً مع المادة 18 من نظام المحاماة، الأمر الذي يجعل ما جاء في تعقيب الأخ/ ماجد قاروب في صحيفة "الاقتصادية"، "صوت الناس"، العدد رقم 5220 وتاريخ 18/1/1429هـ كلاماً مرسلاً لا يستند إلى أساس قانوني وشرعي سليم.
والله الموفق ،،،