كيف نستفيد من تجربة الغرب؟

ليس حديثا ما يتعرض له العالم الإسلامي ومجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص من هجوم ممنهج على الدين الإسلامي, والإصرار على تمرير قضايا إلحادية إلى نسيجه الفكري والاجتماعي, والإصرار أيضا على غرس مفاهيم مستوردة ومستنبتة من أرضية حركة ما كان يسمى التنوير الممهدة للثورة الفرنسية, ومنها اعتبار أن الدين قضية شخصية لا علاقة لها بالدولة وأنظمة الحكم, والمعاملة مع هذا الدين الخالد كمعاملة الكنائس المسيحية, ونظرية فصل الدين عن الدولة, والاعتقاد أن الدين عائق في سبيل النهضة والاكتشافات العلمية.
لقد كتب عن هذا التوجه العديد من علماء المسلمين وذكروا أيضا أن الاستراتيجية التي كانت لا تزال تمارس تتمثل في تصنيف علماء المسلمين في صف ممثلي الكنيسة المسيحية الذين كانوا يملكون السلطة المطلقة في العصور المتوسطة في تاريخ أوروبا.
أضيف إلى هذه القائمة الظالمة ما يكتب عن قضايا المرأة والادعاء أن الإسلام بصفته دينا ظلم المرأة وأسهم في عزلها عن الحياة وأداء دورها الاجتماعي بل سلبها حقها - كما يقولون - في المساواة مع الرجل! ولهذا نقرأ كل يوم نداءات تطالب بمساواة المرأة بالرجل! ولا نعرف على أي أساس ستتم في رأيهم هذه المساواة؟
الحجاب القضية الجوهرية الآن كما كان منذ 100 عام وأكثر قد ناله من الحرب السياسية ما ناله من الأعداء سابقا وحاليا وأسهم معهم من بيننا من لا يفقهون في العلوم الشرعية أي علم, ولكنهم أصبحوا وفق المنظومة الحديثة للإعلام فلاسفة! وربما سمحوا لأنفسهم أن يحتلوا بعد ذلك مكانة عضوية هيئة العلماء في أي مجتمع مسلم!
الحجاب هذا الحاجز الذي يدعون, يؤرقهم لأنه يحرمهم من التمتع برؤية الجسد الفاتن للمرأة, وليس كما يدعون لحصول المرأة على حريتها, وأن هذا الحجاب هو إساءة لها ورمز للعبودية! في المقابل لنسألهم ماذا يكون (التعري) في مقياسهم؟ والذي تضج منه الأغاني والأفلام والحياة العامة في معظم الدول الغربية التي حولت هؤلاء النساء إلى (دمى يتم تعريتهن وقت ما يشاءون ويحولونهن إلى وسائل للتجارة في كل شيء)! ومن يتابع الأفلام التي تبثها القنوات بل تترجمها أيضا سيجد المكانة الواقعية لهذه المرأة في الغرب للأسف! بل إن هذا الواقع الآن ليس في صالح المرأة التي أصبحت هي المعيل لأبنائها, وهي التي تعاني عنف الرجل وبنسبة تتزايد يوميا, واقرأوا ما يكتب عن هذا في تقاريرهم وبياناتهم ودراساتهم. بل أيضا في القضايا التي تصل إلى المحاكم من أمهات تم الإساءة إليهن وقتل أبنائهن, لأن هذا (الصديق لا يرغب في الإنجاب! يرغب فقط في لحظات متعة محرمة)!
إن الأجندة الغربية ضد مجتمعاتنا الإسلامية لم تتغير منذ عقود وإلى الآن, وتتمحور حول أهمية تطبيق المبادئ الغربية واعتبارها هي المرجعية, وسابقا لم تكن هناك منظومة دولية يستظلون بقوانينها العرجاء التي لم يتحقق منها السلام والأمن العالمي لأن المصالح السياسية هي القانون الأعلى!
الهجوم على قضايانا التشريعية وخصوصا ما يرتبط بقضايا النساء قديم منذ الاستعمار الغربي لمجتمعاتنا الإسلامية, والاعتقاد بأن قوانين الوراثة والنكاح والطلاق وما يرتبط بهذه الأمور من ولاية الأب على بناته والزوج على زوجته ومن هو مسؤول عنهن, هي من اجتهاد العلماء في العصور الماضية, وأن هذه القضايا لا بد أن تتغير بتغير الأوضاع, وأن الملجأ الآمن يكمن في المرجعية الغربية التي تتناقض مع مرجعيتنا الدينية السماوية التي لا تحتاج إلى إبدالها بالقوانين الوضعية التي تولدت من مخلفات الثورة الفرنسية. فالفرق شاسع بين تشريع سماوي من خالق الكون والأعلم بخفايا النفس الإنسانية, وهو خالقها والأعلم بما هو خير لها أو شر يصيبها من عصيان هذه الأوامر, وبين قوانين وضعية يتم تقنين بعضها من أناس مختلفين في المنشأ والإيديولوجية بل وبعضهم وبعضهن من المبتلين بالشذوذ الجنسي! فكيف نحتكم إلى أناس من هذا النوع؟!
والدليل الذي يؤكد هذا القول الإصرار الحالي والجهود المكثفة والمستمرة لتقنين الشذوذ وإباحته ليس في مجتمعاتهم فقط بل أيضا يروجون له في مجتمعاتنا الإسلامية ويمولون بعض المواقع التي تروج لهذه القاذورات البشرية والتي لدينا نحن المسلمين ما يؤكد أنه عمل يستحق القتل, كما عاقب الله به قوم النبي لوط عليه السلام.
إن مشكلتنا مع هذه الأجندة الغربية ومحاولة تمرير ما يسمى (الإسلام المعتدل) أي الإسلام المظهري الذي يؤمن بجميع قيم الغرب التي لا قيود لديها على العلاقات الجنسية, بل الآن وعبر مؤتمرات المرأة الدولية يتم تمريرها من خلال ما يدعون أنها (الصحة الإنجابية)! التي تحمل العديد من القضايا الخطيرة التي سبق أن كتبت عنها هنا وسابقا, وأيضا كتب عنها العديد من المهتمين بحماية مجتمعاتنا الإسلامية من هذا الوباء القادم مع هذا الضخ الفاحش عبر القنوات الفاسدة والهابطة التي تعمل ليلا ونهارا على إشاعة الفاحشة وتسهيلها ومحاربة أي فضيلة ترى أنها ستنتشر في مساحات الشباب, وتعتبرها قيودا على (حريتهم)! وبالطبع عدم ممانعتهم للربا والخمور والميسر, والترغيب في إلغاء أي علاقة للمسلمين بعقيدتهم, والتشجيع على ما يسمونه (دين الإنسانية)!
مشكلتنا لا تكمن في القوة السياسية والمالية وسياسة العصا والجزرة التي تستخدمها مؤسسات المال ومنح الأمم المتحدة لأي مجتمع مرهون بالحصول على المعونات الدولية فقط, بل أيضا هناك من يعمل جاهدا على تمريرها والكتابة عنها ليلا ونهارا وبلغة إقصائية لأي رأي آخر يرفضها, بل واتهامه بأنه ضد التقدم والنهضة والخروج من التخلف!
مشكلتنا تكمن مع الذين لا يرون الواقع الحقيقي في الغرب, وكما يقول الأستاذ نبيل شبيب في مقالته (المرأة وقضيتنا .. استخدام قضيّة المرأة وتغييب الموقف الإسلامي) لماذا لم تستفد النخبة في مجتمعاتنا من تجربة الغرب الذي طُرحت للمرأة فيه قضية على أرضيّة الصراع، فكانت الحصيلة بعد زهاء قرنين أنّها لا تزال مهضومة الحقوق على أرض الواقع الذي تصنعه جولات الصراع، والمختلف آنذاك بالضرورة عن الصيغ الموضوعة في مواثيق ومبادئ وقوانين. فلا نجد بعد أكثر من سبعة أجيال مرّت على ألوان شتّى من الصراع، إلاّ نسباً متدنيّة لوجود المرأة في مراكز توجيهية عليا، سياسية واقتصادية وقضائية ومالية وفكرية، مقابل ارتفاع نسب وجودها إلى أكثر من النصف في أماكن العمل الإنتاجي، المرهِق وغير المرهق، وإلى أكثر من 90 في المائة في ميادين الدعارة والإباحية. ومن تلك الحصيلة أيضا أنّ «الإناث» يمثّلن النسبة الأعلى من ضحايا سائر أصناف الجرائم والاعتداءات التقليدية والمبتكرة، ولا سيما ذات الخلفيّة الجنسية، على نقيض سائر ما كان يتردّد من أنّ «التحرّر الجنسي» يحمي المرأة من عدوان يصنعه «الكبت الجنسي». ومن أوهن الردود المنتشرة عند ذكر أمثلة من تلك الحصيلة قول بعضهم إنّ مثل ذلك الإجرام أو ما يشابهه موجود في بلادنا «الإسلامية» أيضا، ولا يواريه سوى تغييب الإحصاءات أو العزوف عن طرح المشكلات، فكأنّ هذا ينفي العلاقة الوثيقة بين منطلقات الغرب في «قضية المرأة» ونتائجها، أو كأنّ هذه الردود تكفي لتحميل الإسلام بالذات، وهو الذي سبق تغييبه على معظم الأصعدة لحساب «التغريب»، عن وجود تلك المشكلات وانتشارها في المجتمعات القائمة في بلادنا بغالبيتها من المسلمين، بدلا من تحميل المسؤوليّة «التغريب» وما صنع. هي ردود من قبيل المزايدة وليست من قبيل البحث في جوهر المشكلات، فلا ينبغي التوّقف طويلا عندها). كما يقول: (إنّّ غلبة التقليد الأعمى بدلا من الاستفادة الإيجابيّة من تجربة الغرب بتقويمها وتقويم حصيلتها، لا ينفي أنّ التعامل مع المرأة في بلادنا، يستدعي الانطلاق من المعطيات فيها، من أنّ لنا في جميع بلادنا ومجتمعاتنا محاور حضارية وتاريخية وموازين ومعايير ذاتية، أضعنا الانطلاق منها في معظم قضايانا، فكان ذلك جزءا من أسباب أنّنا، في البلدان العربيّة والإسلاميّة إجمالا، مقصّرون، رجالا ونساء، في مختلف الميادين، ومن ذلك ميدان المرأة. وهو تقصير شامل واسع النطاق، فنحن مقصّرون في حقّ المرأة المواطنة، لا في مسألة حقوقها السياسيّة فقط، والمرأة الإنسان لا في نطاق بعض المظالم داخل الأسرة فحسب، في حقّ المرأة الأم، والزوجة، والبنت، والأخت، في حقّها ربّة بيت أو عاملة، ناشطة في المجتمع أو منزوية على نفسها، مقيّدة دون مسوّغ للتقييد أو منطلقة رائدة في شتّى المجالات، في حقّها وهي مقلّدة لسواها دون تفكير، أو وهي قاعدة عن بذلِ أيّ جهدٍ إبداعي.
مقصّرون ومخطئون ليس في جانب واحد، أو تجاه «عيّنة» محددة، بل هو التقصير العامّ رغم كثرة الكلام، وبعضه يتقمّص رداء الدفاع عن المرأة، وبعضه ينطوي على الإمعان المجحِف في ظلمها، هذا مع إدراكنا أنّه لا يوجد بين هذين الجناحين المتطرّفين، عنصر واحد من العناصر لإلحاق الظلم بالمرأة «وحدها» دون الرجل، ولا العكس، فجميع ما يضيرها قسطٌ لا ينفصل عمّا يضير المجتمع، كما أنّ ما يضير المجتمع يضيرها، فهي جزء عضوي منه، وهو قائم عليها وعلى الرجل معا.
وليس ميدان العلاقة بين الجنسين ما بين الانفلات والضوابط، والاستغلال والتوجيه، والقيم والمادّة، سوى ميدان واحد من ميادين الجنوح في تلك المظالم تسيبا وتشدّدا، تمييعا وتطرّفا، وصاية مزيّفة وأخرى مثلها، وإن تبدّلت الكلمات والألوان بين الفريقين) .. يتبع

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي