الفيروسات أجلت مشاريع «الصحة»

من يرى بعض القطاعات الخدمية يعتقد أنها تعمل بنظام (الكيك) أو قطع الجبن مرتبة بمقاس وهينة ولينة بطراوة الأجبان يمكن تصنيفها وتجزئتها وتشكيلها دوائر ومثلثات.. ربما لا أكون في حاجة إلى هذه المقدمة لكن وزارة مثل وزارة الصحة التي تلتقي عندها الخطوط الإدارية والفنية ليس بالأمر السهل أن تحقق أهدافها دون جراحة غائرة وإعادة بناء وهياكل تنظيمية جديدة... عندما تولى الدكتور عبد الله الربيعة مسؤوليات وزارة الصحة كانت على طاولته ملفات وأجندة وخطط مستقبلية تحتاج إلى عمل متواصل وطاقم إداري وفني لإعادة البناء، وقد أعلن عن تلك النوايا لأن صحة الإنسان السعودي تحتاج إلى بذل مزيد من الأنظمة والإجراءات، لأن الوزارة لم تغتنم فرصها خلال الطفرتين الاقتصاديتين الأولى والثانية وبقيت «الصحة» على هامش المشاريع الضخمة بأسباب إدارية.
عامل الزمن والتوقيت وتهيئة الظروف كان حاسماً إيجابياً لكثير من مشاريع الدولة مثل الطرق والاتصالات والعمران وبناء المدارس والجامعات وغيرها لكنه لم يكن متوافقاً مع وزارة الصحة حتى أن هناك رقماً مخيماً أعلنه وزير الصحة السابق وأيضاً الحالـي: «إن آخر مستشفى بني في مدينة الرياض قبل ربع قرن». وهذه صدمة لقطاع الصحة ولمشاريع التنمية الصحية في بلادنا التي ازدهرت فيها معظم المشاريع باستثناء قطاع الصحة الذي توقف بأسباب تخطيطية وإدارية.
الدكتور عبد الله الربيعة في بداية توليه وزارة الصحة أعلن عن استراتيجيته ومعها مشاريع بناء المستشفيات وإعادة هيكلة الوزارة وتطوير الخدمات ولكن ــ وهذا مؤسف جداً ــ الوزير وفريقه لم يدخل في دوامة المقاومة الإدارية من الداخل والصراع الدائم مع الميزانيات والجدل الفني والإداري المتوقع، إنما مع فيروسات عنيدة وقاتلة مع «إنفلونزا الخنازير» الذي أجل المشاريع وأدخل وزارة الصحة في دائرة من التوتر والقلق .. الفيروسات يا دكتور عبد الله لن تتوقف عن بلادنا ما دمنا نصنف بأننا من أعلى الدول التي لديها عمالة وافدة، إضافة إلى أفواج الحجيج والمعتمرين التي تفد إلى الأراضي المقدسة في مواسم الحج والعمرة مع نقص الوعي الصحي في المجتمعات الإسلامية.. إرادة الله أن نكون نحن خداماً لبيت الله الحرام ومسجد نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمشاعر المقدسة وهذا فخر واعتزاز لنا حتى لو تواجهنا مع أقسى وأعنف الفيروسات وأكثرها شراسة. ولكن يولد من عنف الفيروسات الإرادة، فأمامنا يا معالي الوزير فرصة لا بد من استثمارها وهي أن بلادنا تتمتع بوضع اقتصادي متميز وإدارة عليا تستوعب طموح وزارة الصحة، فلماذا لا يتم البدء بإنشاء مركز متخصص «للأمراض والتحكم في الأوبئة» - أشرت عنه في مقال الإثنين الماضي.
أتمنى يا معالي الوزير ألا تغرق أنت والوزارة في تفاصيل إنفلونزا الخنازير وتنسيك تطوير قطاع الصحة والمشاريع والطموح الذي أعلنت عنه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي