نعم للدائرة التلفزيونية المغلقة
وضح عدد من المهتمين بالدراسات الإعلامية مدى تأثير وسائل الإعلام في تكوين الرأي العام، كما جاء في مقالة عن ذلك للأستاذ محمد بن عواد الأحمدي، ومن خلال دراسة تحليلية غربية توضح أن وسائل الإعلام تدفع الجمهور إلى تبني رأي معين من خلال إيهام المتلقي بأن موقفها يمثل الرأي العام، فتصفه مثلاً بأنه يمثل «الموقف الوطني» أو»الإحساس العام» أو أن «معظم الناس يؤيدون..»، أو من خلال اللجوء إلى التقاليد الاجتماعية، والإدّعاء بأن الآراء الأخرى تخالف تقاليد المجتمع، وأنها آراء شاذة، أو عبر تقديم تفسيرات قانونية اجتهادية لتصبح أعمال أصحاب الآراء الأخرى وأنشطتهم خروجاً عن القانون، وإن كانت هذه التفسيرات غير مسلمة وقابلة للنقاش.
وتبدأ أولى مراحل تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام على الصعيد المعرفي - كما جاء في كتاب الدكتور محمد الحضيف (كيف تؤثر وسائل الإعلام؟ دراسة في النظريات والأساليب).
إذ تقوم وسائل الإعلام بصياغة تكوين معرفي جديد لدى الأفراد حول القضية محل التأثير أو على الأقل إحداث خلخلة في التكوين المعرفي القديم حول تلك القضية، ويتم ذلك من خلال تزويد المتلقي بالمعلومات المختلفة المباشرة وغير المباشرة، والتي تعمل على اجتثاث الأصول المعرفية القائمة لقضية أو لمجموعة من القضايا لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً عنها.
استعدت هذه المحاولات الإعلامية بعد قراءتي لمقالتين بالعنوان نفسه، وخلال فترة قصيرة لموضوع ينتقد (الدائرة التلفزيونية المغلقة) التي يستفاد منها منذ عقود من الزمن في الجامعات والكليات والمؤتمرات والندوات في مجتمعنا، والتي توضح كيفية الاستفادة من التقنية والتكنولوجيا في تيسير التعليم والمعرفة بين الطالبات وأساتذتهن وبين الأكاديميات وزملائهن في الجامعات فلا (اختلاط معهم ولله الحمد). بل هذه التقنية الآن تطورت من خلال نظام التعليم عن بعد الذي ينفذ حاليا في جامعة الملك عبد العزيز، ويستفيد منه الطلاب والطالبات الذين لا تسمح ظروفهم بالحضور لقاعات الجامعة.
وأيضا تستخدم هذه التقنية في متابعة بعض العمليات الجراحية في أرقى جامعات العالم مع أحد المراكز الطبية في الرياض. فهل هذه التقنية مؤشر تخلف؟ كما يستعرضها كاتبو تلك المقالات؟
روح الاستهزاء بهذه الدائرة التلفزيونية المغلقة واضحة، وأنها من خصوصيتنا الاجتماعية!! وكأن هذه الخصوصية عار على المجتمع, والتي في الواقع العملي تحقق للنساء في الدرجة الأولى الخصوصية والراحة في الجلوس وأيضا متابعة علمها وثقافتها وحضورها المعرفي, لم ينتقص منها ولا من أدائها كونها تتعلم أو تقدم محاضراتها عبر هذه الدائرة.
الموضوع محل السخرية والاستهزاء في المقالتين، هو لماذا لا تظهر المرأة أمام الجمهور الذكوري بدلا من أن يستمع إلى صوتها ولا يراها!!
وكي تأخذ هذه الآراء بعض التقبل لدى القارئ يغلفونها بأنها (إهانة للمرأة)!! وهذه هي الأرجوحة الجديدة التي يضعون عليها آراءهم علها تجد تقبلا منا - نحن النساء - والموضوع برمته (رغبات ذكورية للتمتع بمشاهدة المرأة)، وإلا فنحن النساء لم نتذمر من هذه الدائرة التلفزيونية المغلقة ولا نرى فيه أي نقص في ذواتنا أو كينونتنا. فنحن أعزاء بديننا ونفتخر بأننا حققنا نجاحاتنا ونحن نتعلم بمعزل عن الطلاب, وعملنا ونحن بمعزل شريف عن الاختلاط بهم في العمل.
ومن التبريرات غير المنطقية أن هذه الدوائر التلفزيونية المغلقة تكلفتها المادية كبيرة!
نسي أخي الكريم صاحب هذا الرأي أن نتائج مخالفة أوامر الله أشد عقابا وتكلفة يوم يحاسب المرء منا على كل صغيرة وكبيرة ارتكبها أو أسهم في إشاعتها.
نعم ليس جميع من سيحضر المحاضرات مراهقين، ولكنهم أيضا ليسوا ملائكة، والأهم هو ألا نخترق المنظومة التشريعية لدينا لأن بعض الأساتذة الزائرين امتعضوا لأنهم سيلقون محاضراتهم إلى «ميكروفون» وآلة تصوير!!
العبارات المستخدمة للامتهان من هذه الدائرة (الضحية)!! تمثل منظومة: ( إلى متى ننتقص من النساء وسنظل ننتظر إلى أن يأتي الوقت الذي نتعامل فيه مع المرأة ككيان يمتلك عقلاً كما يمتلك علماً. وكذلك خبرة وشخصية مستقلة. وقادرة على الارتفاع إلى مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقها).
** توقفت كثيرا عند هذه الصفات التي تم إطلاقها علينا - نحن النساء - وتساءلت متي حدث هذا الانتقاص؟ ومن الذي تعامل معنا أننا لا نمتلك عقلا أو علما؟ ومتى شكونا من هذا الانتقاص لأننا لا نختلط بالرجال؟ ثم من الذي قال إن (كينونتنا بصفتنا نساء حفيدات لأمهات المؤمنين, لن تتحقق إلا إذا اختلطنا بالذكور؟ وقدمنا محاضراتنا وناقشنا أفكارنا أمام عيونهم وفي المنصات التي حولهم حتى لا يتشتت تفكيرهم ويعبثون بالأوراق التي أمامهم لأنهم لا يستطيعون التركيز إلا إذا شاهدوا المرأة أمامهم؟).
إذا أين عبارات المديح التي كتبها هؤلاء مديحا لإنجازات المرأة السعودية سابقا في مقالاتهم؟ هل كانت حول امرأة أخرى لم تدرس في جامعاتنا ولم تتعلم في كلياتنا، وعبر الدوائر التلفزيونية المغلقة؟ هل كل تلك الكتابات كانت سرابا؟
يعترف الكاتب الكريم في المقالة نفسها بأن (المرأة في بلادنا لم تعد تلك الإنسانة (الجاهلة) أو (الساذجة) أو (الهشة) في تكوينها.. وشخصيتها.. وإنما أصبحت اليوم نائبة وزير.. ومديرة جامعة.. ومديرة مستشفى.. ورئيس مجلس لأكثر من شركة.. أو مؤسسة.. أو بنك محلي أو إقليمي أو دولي..).
ألم يسأل نفسه كيف تحقق هذا لها وهي كانت تتعلم وتدرس وتناقش من وراء حجاب كما كانت أمهات المؤمنين وهن أطهر النساء؟!.
إلىست هذه المرأة التي يصفها هي من مخرجات تلك الجامعات والكليات التي تستخدم الدوائر التلفزيونية المغلقة ويتحقق في رحابها الاستقلال للطالبات وللأستاذات بعيدا عن هيمنة الذكور؟
الأجمل في هذه المقالات، ولله الحمد، هو تفاعل القراء والتي شكلت نسبة كبيرة منها (رفضا لهذه الأفكار) وخصوصا من بعض الذين يدرسون حاليا في الغرب، بل ويستشهد أحدهم باستخدام هذه التقنية هناك وقوله: (أنا أدرس في جامعة أمريكية وليس بسبب منع الاختلاط ولكن لتوفير الوقت والجهد بإمكان الطالب الاستماع للمحاضرة عن طريق الفيديو فلماذا نطلب التراجع للوراء عندما يتقدم العالم للأمام؟)، كما ذكر أعلاه أن محاولات تأثير وسائل الإعلام تتمثل في جزء منها في محاولات (اجتثاث الأصول المعرفية القائمة لقضية أو لمجموعة من القضايا لدى الأفراد، وإحلال أصول معرفية جديدة بدلاً عنها) نجدها تتمثل في عبارات «(الاختلاء) هو المحرم و(الاختلاط) غير محرم». والآيات القرآنية جميعها تحث على (من وراء حجاب) والخطاب لأطهر النساء أمهات المؤمنين وليس خاصا بهن كما يروج له الآن ممن لا فقه لديهم ولا خوف من الله.
(ولكي نربي أجيالنا على الثقة بالنفس والاحتكام إلى التربية السوية في صُنع الإنسان السليم والمعافى والطبيعي) لن يتم هذا إلا باتباع شرع الله، وسنة رسوله المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم، وليس أهواء البشر.
** ختاما نعم وبشدة (للدوائر التلفزيونية المغلقة)! ومرحبا بعلم ومعرفة تحت ظلال شرع الله.