هل يصمد الربيعة ليعزز ثقافة الشفافية في بلادنا
غياهب الظلام تمحوها أشعة الشمس. حقيقة لم يستطع أساطين الباطنية والدكتاتوريات - على مر الدهور وعبر الأديان والممالك - على قهرها، فكانت السرية نهجهم والتكتيم دستورهم. الدين والوطن ليسا ملكا لأحد ولا حكرا على أحد بل هما حق عام لكل منتسب لذاك الدين أو ذاك الوطن. هذا الحق يخول أصحابه حق معرفة القواعد والقوانين والخطط التي تحكم دينه ووطنه وطرق تنفيذها ونتائج تطبيقها. هذا حق مُضيعفي الأديان عامة وفي بلاد العالم الثالث قاطبة. ومن عالم الطب، وما أكثر حكماءهم، جاء الدكتور عبد الله الربيعة وزير الصحة ليبني ثقافة هذا الحق في المجتمع السعودي مراهنا على أن السعودي - في عصر هذا الملك الصالح المصلح - قد نضج وأصبح أهلا كي تُحترم إنسانيته المتمثلة في احترام عقله وتفكيره.
ظهر الدكتور الربيعة بثقافة توعوية لم يألفها مجتمع قد اعتاد أغلبه على الخصوصية والتكتيم والسرية في شؤون دينه ودنياه. مجتمع ترتعد فرائص بعضه من شر العين والحسد. مجتمع يتسلى جزء منه بالأساطير وينام على الأحلام. مجتمع لم يعتد إلا على سماع الثناء والتبجيل من المصادر المحلية فلجأ إلى سماع الأخبار من المصادر الخارجية فاقدا كل ثقته بالإعلام المحلي.
ولكن لم يحمل وزير الصحة هذه المسؤولية دون غيره مقامرا برهان قد يكون خاسرا على مجتمع لم ينضج بعد؟ هي الأمانة، ثقلت في السموات والأرض. فوزير الصحة رجل دولة قد أئتمن على جانب عظيم من الوطن وكل الوطن عظيم. ونشر ثقافة الشفافية هي مسؤولية مشاعة، وهي فرض عين لا فرض كفاية، ولكن أين همم الرجال. هذا يفسر الجانب الوطني المشاع من اهتمام الوزير ولكن هناك جانب اقتصادي مهم يعمل الدكتور الربيعة على استغلاله. فالمعلومة غالية الثمن صعبة التحصيل، ولكنها ترخص وتسهل إذا استُنفر الناس قاطبة على تحصليها ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بظهور المسؤول أمام الشاشات وعلى صفحات الجرائد يشارك الناس هموم الوزارة ويخبرهم عن الأخبار السيئة والنكسات والمعوقات والآلامكما يخبرهم عن الآمال والأعمال والخطط والنتائج. فيحرك بذلك جيشا قوامه عشرون مليونا من أبناء الوطن - قد شحذت همته وشعر بقيمته وأهمية رأيه- فيزودون الوزارة من خلال أحاديث المجالس وقنوات الإعلام بخفايا ما يدور في المستشفيات ويقصونمآسيهم ونكباتهم في المستشفيات الحكومية والخاصة على سواء. ويستنهض همم المفكرين والناصحين والمختصين فيقدمون له المشورة والرأي والحلول. فيحقق مجانا ومن غير تكلفة نظاما رقابيا فاعلا وهيئة استشارية وطنية لا حدود لإبداعاتها فيوفر للوزارة مليارات يوجهها للبناء بدلا من المراقبة، ويحمي قطاع الصحة من التجارب الفردية المكلفة المهلكة. الإعلام كجهة رقابية فاعلة وكهيئة استشارية وطنية مبدعة مورد معطل من أعظم موارد الوطن يعمل هذا الوزير على استغلاله.
ونحن الآن نمر بامتحان تجريبي لهذا التوجه الطموح. تعاملت وزارة الصحة مع وباء إنفلونزا الخنازير بشفافية عالية ولاقت في ذلك نقدا لاذعا من أبناء الوطن الذين لم يعتادوا إلا على سماع «الأمور بخير وكل شيء على أحسن حال، ولا تخوف الناس والحمد الله فلم يمت منا إلا «خميسمية» فقط وأنظر إلى أمريكا الذين قد أهلكهم الله بذنوبهم فمات منهم خمسة نعم خمسة بالكمال والتمام». هذه الثقافة هي التي يراهن على تغييرها الدكتور الربيعة. وهذا النقد على شدته هو ما يبحث عنه الوزير. فقد أثار الاهتمام بهذا الوباء كي يأخذ الناس هذا الوباء على محمل الجدية العلمية. وقد اختبر نفسية الناس وردة فعلهم وجهزهم ليتمكن من التعامل معهم في حالة انتشار الوباء - لا سمح الله. وأكاد أجزم بأنه سمع من المقترحات والحلول والخطط والعواقب ما لم يكن ليحصل عليه لو أنه سار على نهج التكتيم والسريةولو وظف أعظم المنظمات الصحية الاستشارية (والتحدي هنا في فلترة هذا النقد الشعبي على أسس علمية). وبعد أن يمر موسم الوباء بسلام ونجاح بعون المولى جل شأنه وستره، يكون الوزير قد لين ممانعة المواطن للشفافية فيتطور النقد اللاذع غير الهادف إلى نقد لاذع بناء، وأهلا وسهلا به فالوطن أكبر من ذلك وأعظم. قطاع الصحة في بلادنا قطاع هُجر وأهمل لعقود من الزمن تراكبت فيه أنواع منوعة مما لا فائدة من نثره هنا إلا استجلاب اليأس والقنوط وذهاب الهمم، فما مضى قد مضى وله أسبابه ومسبباته والكل يعرفه. الدكتور الربيعة ورث إرثا لا يُحسد عليه، وهو أهل لأن يجعل هذه البلاد مركزا صحيا من أعظم مراكز العالم تقدما وتطورا في الرعاية الطبية وهو والله غير معذور في دون ذلك. فالرجل قد أوتي ذكاء وقدرة وحكمة وإدارة وحسن تصرف وأمانة وإخلاصا ولم يبق إلا دعم القيادة ودعم المواطنين. فأما القيادة متمثلة في الملك الصالح المصلح فقد قدمت له دعما غير محدود برقم ولا قيد، وأما دعم المواطن فالوزير هو وحده القادر على خلقه وإيجاده.
يا معالي الوزير أنت الآن على شفا أن تصبح المؤسس الحقيقي لقطاع الصحة في الديار السعودية فلا تفوتن الفرصة على بلدك وقومك ولا تخذلن من استبشر بقدومك وظن بك خيرا.
يا معالي الوزير اصمد على ما أنت عليه واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.