المصارف الإسلامية هل تأثرت بالأزمة العالمية ؟

انطلقت حملات إعلامية مكثفة في بداية الأزمة المالية العالمية تشير إلى أن القطاع المالي الإسلامي أكثر تحصنا في مواجهة الأزمة المالية العالمية, وأن المصارف الإسلامية بعيدة عن مواجهة المخاطر لاختلاف منتجاتها والطريقة التي تعمل بها، ولكن نظراً لأن النتائج المالية الضعيفة التي حققتها المصارف الإسلامية في المرحلة الماضية في نهاية عام 2008 أثبتت عكس ذلك, فالتقارير تشير وفقا للبيانات المالية المعروضة إلى أن المصارف الاسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي واجهت المخاطر نفسها والمشكلة ذاتها مثل البنوك التقليدية أثناء الأزمة المالية العالمية وتكبدت خسائر ليست بالقليلة، والمثير للاهتمام أن التقارير التي صدرت عن صندوق النقد الدولي أخيرا تشير إلى أن الأزمة المالية العالمية أثرت كثيراً في المصارف الإسلامية عامة وفي المصارف الإسلامية التي تعمل في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، ففي تحليل لبيانات أكبر 50 بنكا في دول مجلس الخليج العربي أظهرت أن تعرض المصارف الإسلامية للمخاطر الائتمانية في منطقة الخليج العربي كان بنسبة 2 % من أصولها بينما اقتصرت على 1 % بالنسبة للبنوك التقليدية في المنطقة، وقد اختلفت درجة التعرض للمخاطر المرتفعة بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية, حيث إن درجة المخاطر اختلفت بين المصارف الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي, فعلى سبيل المثال فإن درجة تعرض المصارف الإسلامية لمخاطر قطاع العقار والإنشاء كانت أقل في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين بينما كانت أعلى في دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة وقطر، ولقد انخفضت ربحية جميع المصارف الإسلامية بشكل عام في دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية عام 2008 والنصف الأول من عام 2009, فالبيانات المتاحة عن النصف الأول من عام 2009 تشير إلى أن الانخفاض في مستويات الربحية في المصارف الإسلامية كان أكثر من البنوك التقليدية, ويرجع سببه إلى أثر الأزمة الشديد في تراجع مستويات أنشطة المصرفية الإسلامية في القطاعات المرتفعة المخاطر مثل قطاع الإنشاء والعقار, خاصة في الإمارات العربية وقطر, وهو ما يعني أن المصارف الإسلامية ليست محصنة ضد الأزمات كما يدعي البعض, وقد تأثرت بالركود الاقتصادي, وتعتبر محافظ القروض لهذه المصارف مكشوفة بشكل كبير على القطاع العقاري خاصة في إمارة دبي ودولة قطر، وقد أضر الانخفاض الحاد في أسعار العقارات ببعض المصارف الإسلامية بشدة, حيث لم تتمكن الإدارات في تلك المصارف الإسلامية من صد الخسائر الكبيرة عن كثير من محافظها ومحافظ المستثمرين في مصارفها، وتشكل التمويلات الاستثمارية في قطاع العقارات 30 % من محافظ المصارف الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي, فعلى سبيل المثال فإن نصف محافظ الاستثمار والائتمان في مصارف إمارة دبي الإسلامية تستثمر في قطاع العقار والإنشاء, ونتيجة لذلك تعرض كثير من المصارف الإسلامية للانكشاف جراء التصحيح في أسواق العقار, وعانت إمارة دبي من أكبر انخفاض سنوي في أسعار المساكن التي انخفضت بمعدل %47.3 خلال الأشهر الماضية, حيث إن البنوك الاستثمارية الموافقة أعمالها للشريعة الإسلامية تتعرض بشكل كبير إلى مخاطر كبيرة بأسباب التعثر الكبير للشركات العقارية, فإحدى الشركات العقارية الخليجية لم تستطع دفع قرض قيمته (200 مليون دولار وسداد صكوك قيمتها 100 مليون دولار) في مايو 2008 - حسب التقارير الواردة - بسبب الانكشاف والتصحيح, وفي السياق نفسه أدى التدهور الحاصل في البيئة الاقتصادية في المنطقة إلى معاناة المصارف الإسلامية بسبب استثماراتها في قطاع العقار.
ويعد بنك أبو ظبي الإسلامي رابع أكبر بنك إسلامي في المنطقة - حسب التقارير الواردة - منكشفا على مجموعة سعد السعودية بمبلغ قدره (66.7 مليون دولار) وقد انخفضت أرباح بنك أبو ظبي الإسلامي إلى (11.2 % في النصف الأول من عام 2009، مقارنة بالنصف الأول من عام 2008), ويرجع ذلك إلى أن محافظ قروض العقارات الخاصة بالمصارف الإسلامية تختلف عن البنوك التقليدية, حيث إنها غير مقيدة بنسبة القروض إلى الودائع البالغة %20, التي تتبعها أنظمة معظم البنوك التقليدية في أنظمة إقراضها حسب معاير (بازل 1-2), ونتيجة لذلك فإن عديدا من المصارف الإسلامية تجاوزت معدلات هذه النسب في الإقراض مما جعلها تتضرر كثيرا من حركة التصحيح العقارية. إن الأزمة المالية العالمية أدت إلى انهيار بعض أشهر البنوك العالمية, غير أنه لحسن الحظ لم تحصل أي حالة إفلاس بالنسبة للمصارف الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الأزمة المالية العالمية التي يشهدها القطاع المصرفي العالمي، وفي الحقيقة فإن المصارف الإسلامية واجهت كثيرا من المخاطر بخلاف عديد من مثيلاتها من البنوك التقليدية التي تمكنت من النجاة بفضل الدعم الحكومي لمؤسساتهم المالية, وفي المقابل لم يحصل أي مصرف إسلامي في دول مجلس التعاون الخليجي على مساعدات مالية حكومية بهدف إنقاذه ومساعدة القطاع المصرفي الإسلامي على تخطي الأزمة المالية العالمية, ومع ذلك فقد استطاعت هذه المصارف الصمود أمام الأزمة المالية وكان أداء المصارف الإسلامية التي تقدم خدمات المصرفية الإسلامية للأفراد أفضل من غيرها ولم تحتج إلى أي دعم, فجميع خدماتها فردية وتهتم بشؤون الإقراض الفردي أكثر من الإقراض الاستثماري.
إن المصارف الإسلامية تمكنت من تجاوز هذه الأزمة لكن هناك تباطؤا اقتصاديا أثر في أداء وعمل هذه المصارف الإسلامية، ولتفادي هذا الركود الاقتصادي الكبير وتجاوز الأزمات المستقبلية يوصي المحللون الماليون والمستشارون الاقتصاديون بأنه يجب على جميع المصارف الإسلامية عامة وفي دول مجلس التعاون الخليجي خاصة, التعاون فيما بينها لفتح جميع أسواقها الائتمانية بموجب ضمانات عقارية ملموسة وموثقة, وإعادة التدفقات النقدية بقوة إلى المنطقة بزيادة رؤوس أموالها والاندماج مع بعضها بعضا, والعمل على تنشيط الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي, وخاصة صناديق الاستثمار التي تملك فيها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي نسبة كبيرة وتحويل أصولها إلى حصص استثمارية إسلامية, وإصدار صكوك وسندات إسلامية بالعملات الأجنبية, والتوسع في عمليات الإقراض إلى الشركات المنتجة للنفط والغاز وشركات البتروكيماويات والصناعات المتقدمة التي تلتزم وتفي بجميع عقودها ووعودها. إن استقرار أسواق النفط والغاز وشركات البتروكيماويات سوف يسهم في دعم الانتعاش القوي للأسواق ويوفر السيولة الكبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي, حيث من المتوقع عودة النمو إلى الأسواق الخليجية مما يسهم في زيادة مردودات المنتجات النفطية والغاز وشركات البتروكيماويات إلى معدلات نمو إيجابية للدول المنتجة للنفط, مما يساعد في زيادة السيولة وتخفيف آثار الأزمة المالية على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي عامة، لذا فمن المتوقع من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الإسراع بانتهاج سياسات مالية توسعية حتى تتفادى العجز المالي, وأن تعتمد على فوائضها المالية لتواصل سياساتها المالية التوسعية بشأن تعزيز الإنفاق الرأسمالي وإطلاق المشاريع التنموية وإعادة جدولة محافظ القروض, إضافة إلى الحد من الارتفاع الحاد من القروض المتعثرة وتشجيع مبدأ المشاركة الذي يشكل أساس عمل المصارف الاسلامية في المنتجات والأدوات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ويمكن المصارف الإسلامية من أن تحول جانبا من الخسائر إلى المستثمرين في تلك البنوك في حال وقوع تلك الصدمات - لا قدر الله - كما يفترض التدخل الحكومي في الوقت المناسب وفي وقت الأزمات وتشجيع المصارف الإسلامية على الاندماج حتى تزيد معدلات كفاية رأس المال في تلك المصارف مقارنة بالبنوك التقليدية, لتتمكن المصارف الإسلامية من التمتع بمستويات سيولة أكبر, الأمر الذي يجعل تلك المصارف أكثر قدرة على مواجهة الصدمات الائتمانية أثناء الأزمات بشكل أفضل من البنوك التقليدية. وعلى سبيل المثال وحسب التقارير الواردة فقد سارعت دولة قطر بضخ سيولة نقدية من الحكومة والبنك المركزي إلى مستوى 9 % من إجمالي الناتج المحلي بما فيها شراء محفظة البنوك الخاصة بالعقارات بقيمة 4.5 مليار دولار, واتخاذ مزيد من القرارات النشيطة والمحفزة لمراجعة وعلاج المشكلات المصرفية عن طريق تعزيز الدعم الحكومي, مما أدى إلى حدوث نمو كبير للمصارف الإسلامية خاصة في دولة قطر وفي دول مجلس التعاون الخليجي التي عملت بالمثل بشكل عام.
إن نمو الأصول في المصارف الإسلامية أعلى من معدل نمو الأصول في القطاع المصرفي ككل ونسبة أصول المصارف الإسلامية إلى إجمالي أصول القطاع المصرفي أصبحت نسبة أكبر, وهو ما يعكس الطلب المتزايد على المنتجات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية سواء أكان ذلك على المستوى المحلي أو على المستوى العالمي، ويقدر صندوق النقد الدولي أصول البنوك الإسلامية في الخليج بحوالي (850 مليار دولار)، مما يعني أهمية تنويع الاقتصاديات فيما يخص نوعية الاستثمارات الجديدة التي يجب أن تركز على الاستثمارات في مجال الخدمات والقطاعات المالية والسياحة والصناعات الإنتاجية والزراعية ومنتجات جديدة كما يحدث في الكويت الآن, حيث تتجه للاستثمار عبر صناديقها السيادية في كمبوديا وقارة أفريقيا عقب الأزمة الزراعية التي حصلت في السنوات الماضية, وكذلك المملكة العربية السعودية ودولة قطر في سبيل بحثهما عن الأمن الغذائي حيث هناك استثمارات جديدة فيما يخص الصناديق السيادية وإن كانت بكميات محدودة قي آسيا وأفريقيا حيث ركزت على نوعية هذه الاستثمارات, مما يعكس توجهات جديدة لنمو أسواقهم المحلية وعدم الاعتماد على منتجات النفط والغاز فقط وحتى يكون هناك توازن وصمود أمام الأزمات المالية يفترض الاعتماد على بناء اقتصاديات واستثمارات محلية كبيرة في مجال الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من الخدمات التي تنهض بالاقتصاد المحلي بهدف الحفاظ على استثماراتهم ومنتجاتها المحلية, إذ لا تزال المصارف الإسلامية الخليجية مقصرة في التركيز على استثماراتها من هذه الجانب، وتسعى المصارف الإسلامية خلال الفترة المتبقية من العام الجاري لزيادة الإنتاج والاستثمارات للاحتفاظ بالأرباح على أمل العودة إلى النمو الاقتصادي في سنة 2010, حيث إن المصرفية الإسلامية تعتبر أحد أسرع القطاعات نموا في العالم, فعلى سبيل المثال احتل بنك الراجحي السعودي أكبر مقرض إسلامي خليجي من حيث القيمة السوقية في المنطقة المرتبة الأولى في قائمة أكبر 20 مصرفاً إسلامياً يعمل وفق الشريعة الإسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي, وتلاه بيت التمويل الكويتي في المرتبة الثانية, وجاء بعده في المرتبة بنك دبي الإسلامي في المركز الثالث وتبعه بنك أبو ظبي الإسلامي - حسب التقارير الواردة قبل نهاية عام 2009 - ولا تزال الصناعة المصرفية الإسلامية تنمو بمعدل 15 % سنويا حسب الجدول المرفق.
لكن ما يطالب به المحللون الماليون والمستشارون الاقتصاديون أن صناعة المصرفية الإسلامية تحتاج إلى مزيد من التطوير, فهناك حاجة إلى تحديث الإجراءات والمنتجات الإسلامية والعمل على وضع الدراسات الاستراتيجية والبحثية والفقهية ونشر التوعية المصرفية الإسلامية والإنفاق على الأبحاث والتطوير والدراسات الاستثمارية والاقتصادية والاستفادة من الخبراء والمحللين الماليين والمستشارين الاقتصاديين وعلماء الشريعة الإسلامية حتى تستطيع الصناعة المالية الإسلامية الصمود أمام الأزمات, والنهوض والنمو، ولا يفوتني الإشارة والإشادة بتجنب بلادنا العزيزة تلك التدهورات والأزمات المالية والاقتصادية التي حلت بالدول الأخرى, وذلك بفضل من الله ثم بالسياسة الاقتصادية الحكيمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - أمد الله في عمره .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي