بين «المراعي» السعودية و«جي إم» الأمريكية

تغنينا كثيرا وسنظل نتغنى ونفخر بشركاتنا العملاقة في قطاعات متعددة كـ«أرامكو» و«سابك» وغيرهما من الشركات التي أخذت سمعة محلية وعالمية كبيرة، كونها أصبحت من مؤشرات الثقة الاقتصادية في الاقتصاد المحلي والعالمي لما تمثله من قيمة مضافة على المستوى الاقتصادي وكذلك لما تحمله من سمعة في تطوير وتأهيل الكوادر الوطنية لدرجة أن أصبح خريجو «أرامكو» و«سابك» يملكون ميزة إضافية إلى مستقبلهم العملي. وهذا ليس بغريب فكثير من الدول تتغنى وتفاخر بشركاتها الرائدة وما زلنا نذكر المقولة الشهيرة التي أطلقها تشارلي ويلسون في الخمسينيات الميلادية عن مدى ارتباط «جي إم» فخر الصناعة الأمريكية بأمريكا كدولة واقتصاد وشعب ومازالت مقولة «الأفضل لـ «جنرال موتورز» هو الأفضل لأمريكا» What is good for General Motors is good for America، تمثل تلك العلاقة بين الشركات وفخر الدولة. والأمثلة كثيرة على شركات أصبحت تمثل علامة فخر لدولها يحضرني منها «نوكيا» فخر فنلندا الصناعة والدولة في العصر الحديث، وفي تقديري أننا نملك نجاحات كبيرة في المملكة تتفوق على كثير من الأمثلة العالمية، لعل من أهم الأسباب حداثة تجربتنا كدولة واقتصاد ناشئ.
وخلال السنوات الخمس الماضية تحديدا تابعت بإعجاب متابع وفخر مواطن القفزات الكبيرة التي تحققها شركة المراعي التي تأسست عام 1976، وليس 1908، كـ «جنرال موتورز»، ومصدر الفخر أن «المراعي» تتوسع في قطاع حيوي يرتبط بشكل كبير بالأمن الغذائي للمملكة العربية السعودية، ونجاح شركة في بلد صحراوي تنعدم فيها المزايا التنافسية لصناعة الألبان كونه بلدا صحراويا يفتقد مصادر مياه مستمرة والماء أهم عنصر في الصناعات الغذائية الطبيعية، ومع ذلك فإن المملكة تتفوق على دول المنطقة التي تنعم بظروف مائية ومناخية أفضل، ولذلك فإن نجاح «المراعي» هو نجاح للقيمة الاقتصادية للمملكة شأنها شأن «سابك» و«أرامكو»، بل إنها في رأيي تتفوق لعنصرين مهمين هما انتفاء الميزة النسبية والتنافسية في القطاع وكذلك وهو الأهم أهمية القطاع من الناحية الإستراتيجية كونه في إطار الأمن الغذائي الوطني. وأتذكر حديثا جرى مع إحدى الشخصيات القيادية البارزة قبل نحو خمس سنوات حول مستقبل صناعة مشتقات الألبان في المملكة وتحديداً «المراعي»، حيث أثارت هذه الشخصية موضوع أن انتفاء الميزة النسبية المتمثلة في الموارد الطبيعية سيحد من أي توسع محتمل لهذا القطاع وللشركة، وكان ردي حينها أن استمرار التطور التقني سوق يلغي انتفاء الميزة النسبية إلى حد كبير، فالتقنيات المتطورة سوق توجد حلولا للمشكلات التي تواجه صناعة مشتقات الألبان وتقلل التكلفة.
ولعلي أترك موقع المتابع بحجم معاصرتي الشخصية لـ «المراعي» بأن ذلك النجاح الذي وصل إلى استحواذ «المراعي» على شركة حائل للتنمية الزراعية هو امتداد لنجاحات كثيرة على المستويات الإدارية أو الإنتاجية خصوصا وقد شاهدنا عديدا من الاستحواذات التي قامت بها «المراعي» خلال السنوات الماضية بما يخدم موقعها الإنتاجي والسوقي، وفي توقعي الشخصي أن توسع «المراعي» في الاستحواذ على «هادكو» تحديدا يأتي ضمن استراتيجية متوسطة وطويلة الأجل، بحيث قد أخذ في عين الاعتبار التطورات الاقتصادية الحديثة والتي بدأت بتفعيل التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة وهو ما سيجعل موقع «المراعي» في حائل يخدم القطاع الشمالي وسيخلق مزيدا من الوظائف لأبناء المنطقة وكذلك يدعم الناتج المحلي لتلك المنطقة، في ظل افتتاح عديد من الجامعات والمدينة الاقتصادية في حائل والتوقع بزيادة الكثافة السكانية. كذلك فإن مشروع الجسر البري بلا شك سيخدم تحديات النقل ويقلل من تكاليفها من حيث الوصول إلى مناطق أخرى ودول أخرى، ولذلك فإن الصفقة اليوم تعد استراتيجية في المقام الأول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي