«محاكم لمنازعات العقار بما فيها الأوقاف»

في مقال سابق علقت على مطالبة بعض المختصين بضرورة وجود محاكم متخصصة لقضايا المساهمات العقارية, وأشرت إلى أن هذه المطالبة في غير محلها على اعتبار أن المساهمات العقارية ومهما يكن حجمها والضرر الحاصل من التأخر في الفصل فيها فليست بِدَعاً من القضايا بحيث تُخصّص لها محاكم, وأن الحل هو إنشاء محاكم عقارية تختص بالنظر في القضايا المتعلقة بقضايا العقار سواء كانت إثباتات – إنهاءات حسب المصطلح المشهور- مثل الحجج أو الأوقاف, أو كانت فصلاً في المنازعات العقارية بكل أنواعها، والموجب لذلك هو كثرة هذه القضايا – أعني العقارية بصورة عامة -, وخطورتها وما تمثله من نسبةٍ ليست بالقليلة من مجموع القضايا في المحاكم , وهذا التخصص سيرفع من كفاءة العمل في المحاكم من جهة توحيد الاجتهادات الفقهية وتراكم الخبرات, ودُربة معاوني القضاة على هذه القضايا من كتاب ومهندسين ومحامين, وسهولة الاستعانة بالخبراء العقاريين على اختلاف أنواعهم.
تأتي هذه الإشارة بمناسبة ما انتهى إليه المؤتمر الثالث للأوقاف المنعقد في المدينة المنورة الذي أوصى بتخصيص قضاة للنظر في القضايا المتعلقة بالأوقاف ونزاعاتها وكل ما يتعلق بها, وفي رأيي أن الأمر لا يتطلب ذلك وأن إنشاء المحاكم العقارية هو الأولى كما أسلفت, وإلا لاحتجنا لمحكمة لكل نوع من أنواع النزاعات العقارية, كقضايا الإيجارات وقسمة التركات العقارية ونحوها, فالحل هو إنشاء المحاكم العقارية في المناطق الكبيرة مثل الرياض ومكة وجدة والمدينة والدمام, ودوائر عقارية في المحاكم العامة في بعض المناطق الأخرى كالطائف وأبها وجازان مثلا, ويكون إنشاء هذه المحاكم من خلال المجلس الأعلى للقضاء بعد موافقة الملك وفقا لما ورد في المادة التاسعة من نظام القضاء الجديد.
وقد انتهى المؤتمر إلى عددٍ من الآراء والتوصيات الأخرى المناسبة, ومنها: ضرورة التفريق بين ملكية الوقف الخاصة والعامة وملكية الدولة للأوقاف، والتصدي إلى جميع محاولات وأعمال الاستيلاء على الأوقاف والأراضي من المستعمرين والمحتلين في كل الدول الإسلامية, وأهمية نشر ثقافة الوقف بين أبناء الأمة , وتشجيع إنشاء كراسي علمية في الجامعات تناقش أهمية الوقف، والعناية بشؤونه وسبل تطوير الأوقاف, وأنّ تدخّل الدولة المباشر في الوقف ليس هو الصيغة المثلى لإدارته، وأن المأمول أن يكون دورها إشرافياً رقابياً، لا أن تتصرف في أصول الوقف وغلاته, وأن جهاز القضاء هو الجهاز العام الذي له حق التدخل في المسائل الوقفية دون غيره من أجهزة الدولة التنفيذية بالنظر إلى استقلاليته وقيامه على العدالة, كما انتهى المؤتمر إلى ضرورة محاسبة النظار ومعاقبتهم عند تقصيرهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي