التنمية الحقيقية
الزائر لبعض القرى والمدن الصغيرة في وطننا يُفاجأ ويُسر بتطورها الهائل وعلى الأخص عمرانياً وتوافر البنية التحتية الجيدة من طرقات وكهرباء وماء وخدمات صحية وتعليمية واتصالات، إلى درجة توافر جل الخدمات الأساسية في المدن الكبرى من مراكز تعليمية وصحية واجتماعية وجمالية.
لكن مع الأسف الشديد يلاحظ تزايد عدد الهجر والقرى بشكل متناثر عشوائي، فالمدينة تتبعها مئات القرى والهجر، وكل يرغب في إنشاء هجرة جديدة لمنافع خاصة، كما يلاحظ أيضا أن كل هذا الإنجاز والتطور يعتمد من الناحية الاقتصادية على مصدر دخل وحيد، وهو الدولة، حيث حرصت حكومة خادم الحرمين الشريفين على نشر الخير في جل المدن والقرى والهجر. وبحسبة بسيطة يظهر أن 90 في المائة من الدخل مصدره الحكومة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ويعتمد جل سكانها على الرواتب الحكومية الشهرية أو معاشات التقاعد أو التأمينات أو حتى الضمان الاجتماعي، ونادراً ما تجد مصادر ذاتية ما عدا الإنتاج الزراعي المحدود في بعض المناطق.
يبقى الإنجاز الأهم، والكامن في ضرورة إيجاد مصادر اقتصادية رديفة، وهنا تكمن أهمية التنمية الحقيقية، فبدلاً من تكدس المعامل والمصانع في المدن الكبرى، تزيد من مشاكلها عبئاً على عبء، يمكن استغلال بعض القرى والمدن الصغيرة كمكان لإقامة مثل هذه المشاريع، وللمملكة تجربة رائدة في مدينتي جبيل وينبع، حيث تحولتا من مدينتين صغيرتين معتمدتين اقتصادياً على الدولة إلى مدينتين صناعيتين نفخر بهما حول العالم؛ كما أن هذه التجربة تحاكي تجارب الدول المتقدمة، فقرى ومدن الغرب الصغيرة تقوم أساساً على مصدر اقتصادي محدد، كمصنع للسيارات، أو أدوية، أو مراكز أبحاث أو جامعة أو نشاط زراعي.
فالدولة مهمتها الأولى تهيئة البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، ولا يجب أن تكون المصدر الاقتصادي الوحيد. اجمعوا الهجر لتكون قرى منتجة لا مستهلكة واخلقوا مصادر اقتصادية للسكان تجعل القرى والمدن أداة جذب لا أداة طرد، وإلا أدى ذلك إلى تزايد عدد الهجر والقرى لتشكل يوماً عبئا ثقيلاً على ميزانية الدولة قد لا تتحمله، وهنا تكمن التنمية الحقيقية والله أعلم.