لا أحد يتنبأ بموعد انتهاء دورة التباطؤ الاقتصادي
تظهر الآراء التي أدلى بها المديرون التنفيذيون في سياق الدراسة التي أجريناها لتحديد مؤشّر البنك السعودي الفرنسي لثقة الشركات السعودية بالاقتصاد المحلي خلال الربع الأول من عام 2010، تظهر أنّ تفاؤل الشركات السعودية يتخذ منحنى تصاعدياً واضحاً. ويُجمع المديرون التنفيذيون على أنّ ترسيخ المناخ الاقتصادي الداعم لتوسيع أنشطة شركاتهم سيستغرق بعض الوقت. ومع أنّ الشركات السعودية، عموماً، تبدو متأكّدة من أنّ التباطؤ الكبير الذي شهدته البلاد في العام الماضي قد انتهى، إلا أنها منقسمة بشأن موعد عودة أنشطتها ومستويات الطلب إلى النمو بمعدّلات كبيرة.
وواضحٌ أنه من الصعب على الشركات أن تتنبأ بموعد انتهاء دورة التباطؤ الاقتصادي لكي تمهد الطريق لإطلاق دورة اقتصادية جديدة أكثر نشاطاً ـ وهذا لا ينطبق على الشركات السعودية وحدها، إذ يتبن لنا في المشهد العالمي، خصوصاً في أوروبا والولايات المتّحدة، أنّ الطريق نحو التعافي الاقتصادي الكامل سيكون طويلاً وشاقّاً.
وعلى الرغم من وصول الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية إلى 5.7 في المائة ''كمعدل سنوي'' في الربع الرابع في عام 2009 إلا أن أسعار الفائدة لاتزال منخفضة جداً وسوق المال في تذبذب وعدم استقرار وضعف ثقة المستهلك. ولئن مالت الأسواق إلى الاعتقاد بأن الأمور عادت إلى وضعها الطبيعي، نتوقّع أن يظلّ التعامل مع المناخ العالمي الحالي تحدّياً صعباً خلال عام 2010، الأمر الذي قد يجعل المستثمرين أكثر تحفّظاً.
ونتوقّع أيضاً أنْ يتجاوز متوسط سعر برميل النفط في عام 2010، المستوى الذي سجّله في عام 2009، لكنّنا نستبعد أنْ تبقى أسعار النفط فوق 78 دولارا للبرميل ''غرب تكساس'' لفترات طويلة، خلافاً لتوقّعات البعض. بدأنا مراقبة المخاطر السلبية الخطيرة على النفط دون سعر 78 دولارا للبرميل فمع أنّ السنة الجارية بدأت بأسعار فاقت 80 دولاراً للبرميل، إلا أنّ مستوى الطلب على النفط ومخزونات الدول المستوردة له سيسهمان في خفض أسعاره فقد بدأ عام 2009، بـ 40 دولاراً للبرميل ثمّ ارتفعت أسعاره بشكل تدريجي. لكننا قد نشهد العكس تماماً في العام الجاري: أسعاراً مرتفعة في مطلع السنة يليها انخفاض تدريجي. وسيكون لحالات الركود الاقتصادي آثار غير متناظرة على مستويات الطلب على النفط لأن تأثيرها في الطلب على زيت الغاز سيكون أكبر بكثير من تأثيرها في الطلب على البنزين، فمحطات تكرير النفط التي تسعى جاهدة لتلبية الطلب على البنزين أنتجت كميات كبيرة من زيت الغاز الذي لم تصرّفه. وفي صيف العام الماضي، كان هناك فائض كبير في زيت الغاز المخزّن لدى محطات تكرير النفط.
من وجهة نظرنا، كان وقوع الأزمة المالية العالمية على المملكة أخفّ من وقوعها على عديد من باقي دول مجموعة العشرين. وبواقع 3.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي كعجز في ميزانية المملكة، كانت هذه النسبة أقل من نصف نظيراتها التي توقّعتها بقية دول مجموعة العشرين في عام 2009. العجز المسجل في ميزانية عام 2009 لإسبانيا، إيرلندا، واليونان الذي يحوم حول 12 في المائة قد يخلق سلبيات واضحة على الصعيد الاقتصاد الكلي.
وفي الوقت الذي قد ترتفع فيه نسبة إجمالي الدين العام إلى 105 في المائة إلى إجمالي الناتج المحلي في مجموعة العشرين نتوقّع أنْ تنخفض هذه النسبة في المملكة إلى نحو 13 في المائة في العام الجاري. ويتوقّع مكتب الميزانيات التابع للكونجرس الأمريكي أن تبلغ مديونية الولايات المتحدة في عام 2050 ـ وفق أسوأ السيناريوهات المحتملة ـ 300 في المائة من إجمالي الناتج المحلي؛ وأنْ تراوح مديونية أوروبا في العام نفسه ما بين 250 في المائة و300 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. لذا، نحن نرى أنّ مستقبل الإنفاق العام السعودي ما زال مشرقاً، مع أنّ المشهد العام لتعافي الاقتصاد العالمي يبدو كئيباً.
وفي الماضي القريب، فقدت سوق الأسهم السعودية كثيرا من بريقها في نظر المستثمرين السعوديين الذين اختاروا الاستثمار في العقارات، أو فضلوا ادخار أموالهم في البنوك. وقد يترك سنّ بعض التشريعات خلال الشهور المقبلة أثراً إيجابياً في هذا المنحى. لكنّ قانون الرهن العقاري المرتقب ـ الذي قد يدخل حيّز التنفيذ في النصف الأوّل من العام الجاري ـ قد يحتاج إلى بعض الوقت لإعادة كامل الزخم إلى قطاع العقارات.
ويعاني قطاع العقارات السعودي نقصا حادا في العَرض، ما أبقى معدلات تضّخم أسعار الإيجار عند مستويات مرتفعة للغاية خلال السنتيْن الماضيتيْن. ولم يتعرّض قطاع العقارات السعودي إلى التصحيحات الكبيرة التي شهدتها قطاعات العقارات في الدول المجاورة، مثل الإمارات وقطر، لسبب رئيس هو عدد المواطنين السعوديين الكبير نسبياً. معدل التضخم لا يمثل قلقا مهم في معظم دول الخليج حيث إن بعض البلدان ومنها الإمارات العربية المتحدة وقطر, لا تزال في درب الانكماش. ويُحتمل أنْ يبلغ المعدّل الوسطي للتضّخم 4.3 في المائة في عام 2010، لأنّ مستوى النشاط الاقتصادي ومعدّل الطلب المحلييْن سيُساهمان في بقاء الضغوط السعرية ثابتة. ارتفاع سعر الدولار وانخفاض معدل التضخم في منطقة اليورو عاملان أساسيان في انخفاض أسعار السلع المستوردة.
ونحن نتوقّع أنْ ينمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمعدّل 3.9 في المائة في العام الجاري، مقارنة بـ 0.2 في المائة في العام الماضي، وذلك بفضل التحسّن العامّ المرتقب في أداء القطاعيْن العام والخاص. لكن إحجام البنوك عن توسيع نشاطها الائتماني بوتيرة عالية سيبقى عائقاً رئيسياً أمام التعافي الكامل للاقتصاد السعودي. ومع أنّ البنوك السعودية غارقة في السيولة منذ فترة طويلة، إلا أنها تفضّل تفادي مخاطر التسليف. في الوقت ذاته، تراجعت رغبة القطاع الخاصّ في التوسّع مقارنةً بالسنوات السابقة، خصوصاً قبل عام 2008.
وقلّصت هذه الظروف أرباح البنوك السعودية في عام 2009، كما ساهمت في انتشار سياسات تفادي المخاطرة على نطاق واسع. ومثّل تقليص البنوك لحجم القروض التي قدمتها إلى القطاعيْن العامّ والخاصّ في العام الماضي أحد الأسباب الرئيسية للتباطؤ، الذي سجّله الاقتصاد السعودي خلال ذلك العام. وتعاملت الحكومة مع هذا التباطؤ، بشكل أساس، من خلال برنامجها الإنفاقي التحفيزي الذي اعتمد على أصول الدولة المملوكة في الخارج. وفي عام 2010، أعلنت المملكة أكبر ميزانية عامّة في تاريخها، ما قد يحسّن أداء الاقتصاد السعودي خلال الأشهر المقبلة لأنّ مستويات الانفاق الحكومي العالية ستستمر.
من الواضح أنّ النشاط الائتماني الضعيف للبنوك السعودية ليس ناجماً عن شح السيولة ففي العام الماضي، تضاعفت الودائع النقديّة لهذه البنوك في مؤسسة النقد العربي السعودي، كما نمت أصولها المملوكة في الخارج بنحو الثلث. أجرى البنك المركزي الأوربي استفتاء ومسحا كاملا عن وضع الائتمان المصرفي كانون الثاني (يناير) وعن عرض النقود في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2009 الذي نتج عن ضيق أوضاع الإتمانات المصرفية بالرغم من قرار البنك المركزي الأوروبي لتوفير السيولة للمقترضين. ومن وجهة نظرنا، لا يمكن إشاعة التفاؤل بين مديري الشركات السعودية الخاصّة إلا من خلال تعزيز دور البنوك في تمويل مشاريع القطاع الخاصّ. وسيحدث هذا الأمر عندما تشعر البنوك بأنّ القطاع الخاص قادر على تلبية شروط الاقتراض ـ ونحن نتوقع أنْ يحدث هذا التحول في السنة الجارية. ضعف الإقراض المصرفي في الوقت الحالي ليست مجرد مسألة عرض إنما يجب مراقبة ما إذا كانت تعكس عوامل الطلب.
ومن شأن تنامي أرباح البنوك أن يؤدي إلى تحسين أداء سوق الأسهم أيضاً. لكننا لسنا متأكدين من مدى تأثر سوق الأسهم السعودية إيجاباً بتحسّن أداء أسواق الأسهم العالمية. لكننا نتوقّع أنْ تتأثر سوق الأسهم السعودية دائماً بعمليات التصحيح التي تشهدها أسواق الأسهم العالمية. هذا، وظل حجم التبادلات في سوق الأسهم المحلية متواضعاً نسبياً لأنّ المستثمرين توخّوا الحذر في إنفاق أموالهم أو فضلوا استخدامها في تعزيز سيولة شركاتهم، بسبب شحّ القروض المصرفية الناجم عن سياسة تلافي المخاطر.
وتُمثِّل رغبة القطاع الخاصّ في التوسّع والنمو الجانب الآخر من معادلة النمو فقد قامت الحكومة باللازم وستبدأ البنوك بتوسيع نشاطها الائتماني بشكل تدريجي. لكن البيئة العالمية أثبتت عدم قدرة أيّ اقتصاد في العالم على حماية نفسه من الهزات الارتدادية لزلزال الركود العالمي فالثقة، أو درجة انعدامها، التي ستسود العالم في عام 2010، ستؤثّر حتماً في توجّهات الشركات المحلية السعودية. ونحن نتوقّع حدوث تقلبات كبيرة في اتجاه السوق السعودية خلال الجزء الأكبر من العام الجاري.