الأحد, 13 أَبْريل 2025 | 14 شَوّال 1446


أبعاد لتطوير القضاء

تم عقد الملتقى السنوي الأول للقضاة في الأسبوع الماضي في الرياض بعنوان (تأهيل القضاة رؤية مستقبلية)، وقد كان لقاء مثمراً بناء على ما سمعنا من بعض الزملاء من القضاة، ومن الأخبار الصحافية. وقد تطرق الحاضرون في الملتقى إلى عدة مواضيع، وإن كان الموضوع الأساسي هو تأهيل القضاة. ولقد وفق المجلس الأعلى للقضاء في تنظيم مثل هذه اللقاءات، والتي فيها متسع لتبادل الآراء وطرح الرؤى عن طريق أوراق العمل لتطوير القضاء بدلاً عن اللقاءات الرسمية التي تعقد عادة ويكون فيها إضاعة للمال والوقت بلا أهداف عملية واضحة.
وقد أوصى المشاركون كما هو منشور في «الاقتصادية» بتاريخ 14/2/1431هـ، بعدة أمور منها «تأهيل القضاة وإعدادهم للعمل القضائي كمطلب رئيس لضمان تحقيق العدالة وإيصال الحقوق لأهلها، وإعداد عدد كاف من القضاة وتأهيلهم للمشاركة في تدريب القضاة في الجوانب القضائية المتخصصة، والتوسع في افتتاح كليات الشريعة في جامعات المملكة لسد حاجة المحاكم في الوظائف القضائية والوظائف المساندة لها. وأوصوا كذلك بأن تأهيل القضاة يتطلب إعداد خطة شاملة تشتمل على تحديد الاحتياجات وإعداد القاضي بإكساب المهارات التي تساعده على العمل القضائي مع تجدد الوقائع واختلاف الأحوال، وإعداد القاضي للعمل في المجالات القضائية المتخصصة (القضاء التجاري والجزائي والعمالي والأحوال الشخصية) وفق استعداده العلمي وما لديه من خبرات ومؤهلات. وشددوا على ضرورة إكساب القاضي المهارات الإدارية التي تساعده على وظيفته القضائية، وتيسر له التعامل مع المتقاضين والمراجعين باختلاف أحوالهم، إضافة إلى تدريب القاضي على المهارات الشخصية التي تساعده على تنظيم أعماله ومسؤولياته، وإحاطة القاضي بما يستجد في مجالات التقنية، وتدريبه على الاستفادة منها في أعماله».
وأتفق مع المشاركين في الملتقى في معظم ما طرحوه من توصيات وخاصة فيما يتعلق بإعداد القضاة بما يتوافق مع التخصصات التي سيعملون فيها. أما ما يخص كليات الشريعة فقد سبق أن طرحت وجهة نظري في ذلك هنا فلا داعي للتكرار.
وأختلف معهم كلياً في موضوع إكساب القاضي المهارات الإدارية لمساعدته على أداء وظيفته القضائية. فمن المشكلات الأساسية التي يواجها القضاء العام هو ممارسة القاضي للعمل الإداري في المحاكم، حيث إن كل قاض له مكتب قضائي ويمارس دور مدير المكتب، إضافة إلى دوره كقاض وفي ذلك تعطيل القاضي عن عمله الأساسي. ولا يوجد فرق في نظري بين المحاكم في المدن والقرى الصغيرة. وهذا السبب هو أحد الأسباب التي تؤخر البت في القضاياً، والتي عادة ما يشتكي الناس منها ويتم التطرق إليها، وكأن القاضي هو السبب الرئيس لهذا التأخير ولا يتم التطرق إلى آليات العمل في المحاكم وعلاقتها المباشرة في هذا التأخير. حيث إن بعض القضاة يكون عنده أكثر من 15 جلسة في اليوم مع عمله الإداري!
بناء على ذلك فقد يكون من الأنجع أن يكون لكل قاضي مكتبه الخاص ويكون هناك مجلس للقضاء يحضره القاضي للجلسات القضائية فقط ويكون لكل مجلس قضائي مدير إداري بالكادر الخاص له لإنجاز الأمور الإدارية المتعلقة بذلك المجلس. ويكون للجلسات القضائية احترامها فهي علانية ولكن ليس معنى ذلك أن تتم مقاطعة الجلسة فهذا غير مقبول بأي شكل من الأشكال حتى من القاضي نفسه. وفي حالة الحاجة لمقابلة القاضي سواء من المحامين أو الخصوم فيكون بناء على موعد مسبق.
هناك بعد آخر وهو متعلق بالاستقرار الوظيفي للقاضي وحري بالمجلس الأعلى للقضاء أن يفعل اختصاصات تحت المادة السادسة من نظام القضاء في الجزء الخاص بالاقتراحات ويقوم بدارسة موضوع الاستقرار الوظيفي ورفع المقترحات بذلك، حيث يكون تركيز القاضي على العمل القضائي. ومن ضمن العوامل التي تساعد على هذا الاستقرار هو رواتب القضاة فإن كانت هذه الرواتب مناسبة قبل زمن فهي ليست كذلك الآن. ويتبين ذلك بشكل واضح لدى القضاة الذين تم تعيينهم في السنوات الأخيرة، وهذا سبب من الأسباب الرئيسة لتسرب القضاة. وللاسترسال فكل رواتب موظفي الدولة بشكل عام غير متوافقة مع الغلاء المعيشي، ولكن موضوعنا هنا منحصر في القضاة، وخاصة أن أي زيادة لهم لن تؤثر في التضخم كما يقول علماء الاقتصاد وذلك لقلة عددهم.
أخيراً فقد خرجت إحدى الصحف المحلية بخبر في الصفحة الأولى عن «خبير قانوني بريطاني يقترح الاستثمار في التدريب القضائي»، كان من المشاركين في هذه الملتقى أحد الزملاء البريطانيين من الذين يعملون في مكتب محاماة في الرياض وهو من الزملاء المتميزين. وكان حريا بالمنظمين أن يستضيفوا أحد زملائنا من المحامين السعوديين المتخصصين في القضايا والذين لهم خبرة عملية في هذا المجال لتقديم ورقة عمل ولست أنا منهم، حيث إن معظم عملي حالياً في مجال الاستشارات وكذلك الزميل البريطاني.
لا يوجد لدي شك بأننا في عصر العولمة وعلينا الاستفادة من خبرات الجميع وهذا حاصل ولكن علينا في الوقت نفسه التخلص من «عقدة الأجنبي» فلا بد أن تكون الاستفادة من الآخرين بشكل مقنن وتكون لدينا ثقة بكوادرنا الوطنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي