التحديات الكبرى التي تواجه عالم اليوم

تعقدت الحياة كثيرا، الزيادة الهائلة في حجم البشر، والإنتاج الوفير هنا والعوز الشديد هناك، وتعقيدات العلوم والتقنية، وغير ذلك من مشكلات يومية فرضت على العلماء والخبراء الاستراتيجيين أن يحاولوا التوصل إلى تشخيص لما يدور حولنا حتى يتسنى إيجاد الحلول.
توصلت البحوث والدراسات إلى أن التحديات الكبرى تتجسد في تسعة أمور هي على الوجه التالي:
أولا: كيف يُمكن للبشر أن يتعاملوا مع الصعود المستمر في التطلعات مع انهيار العوائق يوما بعد يوم؟
ثانيا: كيف يُمكن لنا أن نستخلص الحكمة والمعاني والدروس من هذا الكم الهائل من المعلومات والمعرفة المغلوطة في آن واحد. كيف نستطيع التمييز بين الثمين والرخيص في الفكر؟
ثالثا: كيف السبيل إلى الحياة في عالم يتعاظم ويكبر ويزيد كل شيء فيه ؟ وكيف يُمكن أن نتعامل مع الأسعار التي ترتفع وتنخفض بسرعة مدمرة مع وضع قضية الاعتماد على الآلة في الحسبان.
رابعا: كيف يُمكن أن تقوم دولة أو مجموعة دول بحساب أصولها وثروتها والتخطيط لزيادتها، في الوقت الذي تقف فيه دول أخرى على مسافة
قريبة بهدف نقل خبراتها وسرقة علمها والقرصنة على خصوصياتها؟
خامسا: كيف نصل إلى صيغة عاقلة مقبولة لإدارة حياة تتحرك فيها الأموال والمعلومات بسرعة وحرية في أرجاء المعمورة؟
سادسا: كيف نجرؤ على تجاهل المليارات الذين يعيشون تحت مظلة الفقر؟ وكيف نغض الطرف عن أولئك الذين يعانون القمع والوحشية والاضطهاد؟
سابعا: كيف نقاتل تلك الفئة الباغية من البشر التي تبدو قوية ومتينة في كل أنحاء العالم، وهم يرفضون الحقوق والحياة العادلة للآخرين؟
ثامنا: كيف نتعايش مع تلك القدرة الهائلة التي أوصلنا إليها العلم كي ندمر كل شيء في لحظات؟
تاسعا: كيف نفتح المجال للبشر حتى يخرجوا عطاءهم وقدراتهم على الوجه الأفضل بما يجعل حياتهم أسهل وأجمل؟
وتوصل الاستراتيجيون كذلك إلى أن الأسباب الأساسية وراء المشكلات التي نواجهها هي:
أولا: اتباعنا استراتيجيات غير ملائمة من الناحية الواقعية. فنحن نحاول أن نفرض النتائج على المواقف. ومع تحرك المتغيرات التي تحدد المواقف لتسبق تجاربنا، فقد ضعفت قدرتنا على التوصل إلى استراتيجيات مناسبة، وذلك لأن رؤيتنا للمواقف أصبحت غير ملائمة. ففي الماضي كنا نتنبأ سلفا بما يُمكن أن تحدثه قوة كبرى بقوة ضعيفة، أما الآن فإن هناك حسابات مختلفة وعوامل متعددة أثرت في ذلك وغيرت الموقف. وهكذا نلاحظ أن انهيار الأنماط التقليدية يحدث بسرعة تفوق المعادلات الاستراتيجية القديمة.
ثانيا: اختيارنا لإستراتيجيات عاطفية غير ملائمة . فلم نعد قادرين على التنبؤ بالسلوكيات الخاصة بالآخرين في مواجهتنا. فالعالم أصبح صغيرا من حيث المسافة، إلى جانب أننا أصبحنا أكثر تعودا على الوصول إلى نتائج
أسرع وذلك بسبب القوة المتزايدة للأموال في تحقيق ذلك. أضف إلى ذلك أننا لم نعد قادرين على إخفاء شيء عن جموع شعبنا . فكل شيء يتم تحت
سمع وبصر الجميع . ومع احتفاظ القوي بقوته فإن الضعيف له مواطن قوته، وخاصة أن ردود أفعاله غير معروفة. وقد عشنا دائما في إطار استراتيجيات تولد الحقد والخوف والغضب ومعنى ذلك أن اكتساب الضعفاء طاقات العلم الحديث يجعلهم جبهة مخيفة ويشي بأن الارتطـام قادم.
ثالثا: إتباعنا لاستراتيجيات تنافسية غير ملائمة، وتتمثل عادة في مبدأ ''اخسر أو اربح''. فالحكومات والشركات والأفراد تتنافس ليل نهار للحصول على الثروة والقوة، وقد أسهم تضخم المعلومات في دعم جميع الأنشطة والمساعدة على الحصول على نتائج بدءا من التعليم وانتهاء على الأنشطة الاقتصادية.
وفي مقابل ذلك يصبح الأكثر حظا في الحصول على الثروة والمعلومات والقوة هو الأفضل ولكن على حساب عديد من القيم التي فقدناها. ولكن النجاح الذي تحقق اعتورته عدة تغيرات في مجال التكنولوجيا واختصار وقت الإنتاج والوصول إلى أسواق كثيرة جديدة وتدفق رؤوس الأموال وتدفق المعلومات.
رابعا: تمسكنا باستراتيجيات نقدية غير ملائمة، فنحن نركز على المال تركيزا شديدا ونعطيه الأولوية على الأهداف كافة. والنتائج المرجوة للطموحين
تنقسم بين الشهرة والقوة. وقد شهد عصرنا انفتاحا غير مسبوق من حيث إمكانية العمل في كل مجال في أي وقت، مما فتح فرص النجاح دون الحاجة إلى الاقتتال والتنافس الشديد. من ناحية أخرى، نمت رؤوس الأموال بصورة كبيرة مما يجعل تمويل أي مشروع في أي مكان في العالم أمرا مشروعا ومتاحا وسهلا . أضف إلى ذلك القدرة المتزايدة على إنتاج منتجات جديدة تتيح لنا الفرصة لنحول أحلامنا إلى حقائق أسرع من أي وقت مضى. أدى ذلك إلى بروز خيارات متعددة تتمحور حول العائد من الاستثمار والحرص على سرعة العائد وضخامته. غير أن التركيز الشديد على الأموال أدى إلى أمرين:
أ – فقدان التركيز على الأمور الأخرى.
ب – انهيار من لم يعد يلعب بقواعد رأس المال.
خامسا: وقوعنا في إسار استراتيجيات روحية غير ملائمة . فنحن كمجتمع دولي فشلنا في بناء الوعي والهدف. وما نعنيه بالروحي هو الأمر الذي يبتعد عن المحسوس والملموس (مثل الممتلكات وكل ما يشبع رغبات الإنسان).
وهناك قوى ثلاث تعترض طريق السعي على طريق الفضيلة والأخلاق:
- دور وسائل الإعلام في تحييد مشاعرنا وحرماننا من التفاعل والانفعال الإنساني مع ما يجرى – وذلك من فرط ما تقدمه لنا ليل نهار.
- عدد الأحداث التي لا نستطيع السيطرة عليها ولها القدرة على تغيير حياتنا.
- بروز وصعود ثقافة رأس المال، جعل العالم يتجه إلى اللهث وراء الثراء. ونعتقد واهمين أن تحقيق هذه الثروة هو الذي يجعلنا نحدث التغيير إلى الأحسن. والحقيقة أن الرغبة في الإثراء تهيمن علينا، ونظرا لأن من يحقق
النجاح عدد محدود فإن الغالبية تقع في هم وإحباط شديدين.
وقد تضاءل دور الدين في تقويم الناس لأنه على نطاق العالم تفوقت عوامل الجشع، حيث لم يعد من الممكن مواجهة الانهيار الروحي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي