الحوكمة والمصارف الإسلامية

يؤكد خبراء المصرفية أن أهم ما يمكن أن يندرج تحت إطار الحوكمة يتضمن تفصيل العقود وتحديد شروطها وأحكامها بدقة بما يبتعد عن أي تدليس أو جهالة أو غرر, وهو من أهم متطلبات الحوكمة، فبذلك يعرف كل طرف من المتعاقدين حقوقه والتزاماته بوضوح. وهنا ستكون المسؤولية مضاعفة على من يتولى صياغة العقود والاتفاقيات في المؤسسات المالية؛ إذ عليه أن يمارس مزيدا من التفصيل لاستكمال جميع الجوانب ذات العلاقة بالتعاقد، مبينا أن شواهد التفصيل في الشريعة الإسلامية واضحة, فما يوجد من قواعد وشروط للعقود في الفقه الإسلامي يندرج تحت هذا الباب, وعليه لا يجوز الاتفاق على ما يخالف القواعد الملزمة في الشريعة الإسلامية، «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا». هذا الكلام أكده الخبير المصرفي ياسر المرشدي في حوارات صحافية أخيرا.

والحوكمة وفقا لذلك المنطق هي تنظيمات وتطبيقات وممارسات سليمة تطبقها المصارف الإسلامية لتحقيق المعاملة العادلة لحملة الأسهم والسندات والعاملين في المصارف لإثبات حقوقهم والتأكد من كفاءة تطبيق الإجراءات التشغيلية بمعزل عن المصالح الشخصية، وبالتالي يتم توجيه الأموال إلى الاستخدام الأمثل لها، منعاً لأي من حالات الفساد التي قد تكون مرتبطة بذلك, واعتماد كل من معايير الإفصاح والشفافية ومعايير المحاسبة، وما من شك في أن وجود نظام فاعل لحوكمة المصارف الإسلامية في كل مصرف يساعد على توفير الثقة والسلامة والشفافية الفاعلة والسليمة للعمليات المصرفية الإسلامية, ويهدف إلى تحسين كفاءة وأداء الأعمال المصرفية الإسلامية, كما ويؤدي إلى مكافحة الفساد.

إن حوكمة المصارف هي مجموعة من الأنظمة والقوانين التي توفر معلومات سليمة لمجلس الإدارة في المصارف الإسلامية مثل الإفصاح والشفافية والوضوح, وذلك لتحقيق الأهداف التي تكون في مصلحة عملاء المصرف ومساهميه وتعتمد على الأنظمة القانونية والنظامية, إضافة إلى عوامل أخرى مثل أخلاقيات الأعمال المصرفية من ثقة وصدق وأمانة. ومن أهم المعلومات التي يجب الإفصاح عنها المعلومات المحاسبية والقوائم المالية الخاصة بالمراجعة الداخلية وطرق اختيار الأساليب المناسبة والسليمة لتحقيق خطط وأهداف المصرف، وهو ما يلقي مسؤولية كبيرة على عواتق أعضاء مجالس إدارة المصارف الإسلامية, حيث يتم تحويل معظم المهام إلى المديرين التنفيذيين الذين منحوا مسؤولية الالتزام بالعمل من قبل أعضاء مجلس الإدارة وفقا لنظم وقوانين بازل المنظمة للبنوك والمصارف في جميع أنحاء العالم، فمن الصعب على المساهمين وعملاء المصارف أن يراقبوا بشكل صحيح وفاعل أداء إدارة المصرف في ظل نقص الإفصاح والشفافية، وهذا يحدث إذا لم يكن الإفصاح في الوقت المناسب من خلال موقع المصرف على الإنترنت أو في التقارير الدورية السنوية.

كما يجب على مجلس الإدارة أن يراقب الأهداف الاستراتيجية للمصرف ومصالح حملة الأسهم والعملاء ويضع حدوداً واضحة للمسؤوليات والمحاسبة, وذلك للتأكد من وجود مبادئ ومفاهيم للإدارة التنفيذية بحيث تتم أنشطة المصرف وفقاً للسياسات والنظم التي وضعها مجلس الإدارة, ووفقاً لنظام الرقابة الداخلية, على أن تتناسب سياسات الأجور والمكافآت مع أعمال وأهداف البنك وأن تقدم حوافز للإدارة العليا والمديرين التنفيذيين بما يحقق نجاح ونمو أعمال المصرف.

وتتم الحوكمة المصرفية من خلال الإفصاح والشفافية والإدارة الرشيدة. وقد أقرت لجنة بازل مبادئ الحوكمة في المصارف بحيث يكون أعضاء مجلس الإدارة مؤهلين تماماً لمراكزهم, وأن يكونوا على معرفة بالحوكمة وبالقدرة على إدارة العمل المصرفي بنجاح, وكذلك المديرين التنفيذيين, فنحن نعيش عصر تطورات سريعة في الأسواق المالية والتكنولوجية, لذا يجب على المصارف الإسلامية تطبيق مبادئ الحوكمة مع الالتزام بالإفصاح والشفافية حتى تنخفض ــ بإذن الله ــ درجة المخاطر ويقل تعثرها, فمن الضروري إعداد الهيكلة الإدارية والخطة التنظيمية الخاصة بكل مصرف إسلامي وتوضيح مهام مجلس الإدارة بما يضمن القيام بسلطة الإشراف من قبل المجلس، مع ضرورة فصل مهام رئيس مجلس الإدارة عن المدير العام التنفيذي، وبيان المؤهلات الرئيسية اللازمة لمجلس الإدارة، وما يتعلق بموضوع المؤسسات المالية الإسلامية.

يجب على كل مجلس إدارة أن يتأكد من أن مؤهلات أعضائه تتوافق مع احتياجات التشغيل المالي والعمل الاستثماري، وعلى مجلس الإدارة أن يكون لديه المعرفة والخبرة في المجالات المالية والتمويلية والمحاسبية والتسويقية والتشريعية, بحيث يشكل المجلس فريق عمل متكافئا ومتكاملا ليتمكن من تحقيق الأهداف, حتى تنجح الضوابط الداخلية بقوانين حقوق الملكية وقوانين منظمة الشفافية وإشهار الإفلاس وبمقومات سوق أوراق مالية، مع العمل على الحفاظ على حقوق الجميع لتوفير مصادر تمويل محلية وعالمية للمصارف الإسلامية سواء من خلال صناديق الاستثمار الدولية أو عبر أسواق المال المحلية عند عرض أي مشروع ضمن المشاريع الجديدة التي تحتاج إلى تمويل, وخاصة في ظل تزايد سرعة حركة انتقال التدفقات المالية في أسواق مالية متخصصة في المنتجات المالية الإسلامية.

إن الحاجة ملحة في الدول الإسلامية لوضع أنظمة قانونية تكون صمام الأمان لضمان الحوكمة الجيدة للمصارف الإسلامية بهدف دمجها في المفاهيم العامة للعادات والتقاليد الإدارية, وتصبح منهجا معتمداً لتعزيز الثقة وحماية حقوق المودعين والمساهمين وتخفض من المخاطر وتحسن من مستوى ودقة وشفافية البيانات والمعلومات, حيث تساعد على حسن الأداء التشغيلي وتنمية الاستثمارات والمدخرات وزيادة الربحية وإتاحة فرص عمل جديدة. لذا يجب ترسيخ مبدأ الشفافية والإفصاح لنجاح عملية الحوكمة فإذا لم يحصل المساهمون وعملاء المصرف الإسلامي على معلومات كافية عما يحققه من أهداف ونمو في القوائم المالية وما يعترضه من خطر, فهذا سوف يسبب خللاً في انضباط أعمال المصارف الإسلامية، والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي