حروب الكيماويات التجارية .. ماذا أعددنا لها؟

تلجأ الدول لفرض إجراءات وتدابير لحماية قطاعات اقتصادية مهمة ضمن منظومة اقتصاداتها الوطنية مدفوعة بأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. وتاريخيا يلاحظ ارتفاع معدلات الإجراءات والتدابير الحمائية خلال فترات الانكماش أو الركود التي يمر بها الاقتصاد العالمي. وهذا ما تجسد خلال الأزمة المالية العالمية الحالية، حيث تجاوزت ـ وفقا لمنظمة التجارة العالمية ـ عدد الإجراءات أو الحواجز التجارية الجديدة المفروضة من قبل الدول الأعضاء في المنظمة منذ 1 آذار (مارس) 2009 تلك المتعلقة بتحرير التجارة الدولية بنسبة اثنين إلى واحد ووصلت إلى نحو 300 إجراء جديد.
وهذه السلسلة تتناول بروز ظاهرة «الحمائية» في الأسواق العالمية والحروب التجارية العالمية المستعرة بين الكيانات الاقتصادية مع التركيز على تلك التي كانت البتروكيماويات السعودية هدفا لها وما يمكن عمله لحماية مصالحنا الوطنية في هذه القطاع الاستراتيجي المهم في منظومة الاقتصاد الوطني.

ما مفهوم «الحمائية»؟
بداية، قد يكون من المناسب تقديم تعريف لما أضحى يطلق عليه «الحمائية» والتي تعرف بأنها إجراءات أو تدابير تهدف إلى إعاقة حركة التجارة وانسياب السلع والخدمات والاستثمارات بين الدول من خلال فرض رسوم جمركية أو حصص Quotas بهدف لجم حركة الواردات وحماية الصناعات المحلية. ودخلت أبعاد جديدة ضمن هذا المفهوم وهي تلك المتعلقة بالحواجز أمام تدفقات الاستثمارات وتشمل تبني الدول لبرامج دعم تنطوي على تمييز ضد المستثمرين الأجانب أو المؤسسات الاستثمارية الأجنبية إضافة إلى ردع الشركات التي تلقت رأسمالاً عاماً من الاستثمار خارج البلاد.
وتأخذ الحمائية صيغا عدة من تدابير وإجراءات وقيود مثل: التحقيقات المتعلقة بمكافحة الإغراق، وفرض رسوم الاستيراد، والتدابير غير الجمركية الجديدة (تراخيص الاستيراد، الأسعار المرجعية، المعايير والمواصفات، وشهادات المنشأ ... إلخ) إضافة إلى وضع سقف أعلى للواردات وفرض القيود الإدارية. وهناك حالياً اتجاهات خفية للحمائية تتمثل في أمرين أولهما: حصر المشتريات الوطنية بسوق الوطن الأم أو بلد المنشأ ذاته، جسدها مثلا شعار «اشترِ منتجا أمريكياً» الذي ورد في مسودة مشروع خطة الإنقاذ الاقتصادي للرئيس الأمريكي باراك أوباما وأثار في حينها ردود أفعال عالمية مستنكرة أدت لاحقا إلى شطبه من المسودة. وثانيهما: دعم الصادرات من خلال تقديم حوافز ضريبية للمصدرين Export Tax Rebates والتلاعب بمعدلات أسعار العملات بما ينعكس إيجابا على أسعار الصادرات وحركتها. بمؤازاة ذلك، شكل تدافع الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا لإنقاذ البنوك وشركات التأمين وشركات صناعة السيارات الكبرى شكلا من أشكال الحمائية.
وفي التاريخ المعاصر تعود بدايات ظاهرة الحمائية إلى الثلاثينيات الميلادية من القرن الماضي حين تبنت الولايات المتحدة سياسات حمائية عرفت في حينها Hawley-Smoot Tariff Act رفعت بموجبها الرسوم الجمركية على الواردات إلى مستويات قياسية. تلك السياسات أدت لاحقا ـ حسب قناعة الكثير من علماء الاقتصاد ـ إلى الكساد العظيم الذي ضرب أمريكا. وما يعزز وجهة النظر تلك خروج اقتصادات أوروبا من ذلك الكساد الاقتصادي بصورة أسرع من الاقتصاد الأمريكي نظرا لتبني الدول الأوروبية سياسات أقل حمائية.
وظهر جليا فشل سياسات الدول الحمائية والدعم في إعانة الصناعة خلال العقود من 1970 إلى 1980 وهو ما أرهق كاهل التجارة العالمية سنين طويلة والتي لم تنتعش حتى جاءت الاتفاقية الإطارية لتحرير التجارة العالمية GATT الموقعة من قبل 110 دول في عام 1995 بعد جولة أوروجواي التي توجت مباحثات امتدت خلال الفترة من 1986 إلى 1994 وأثمرت عن اتفاقات منظمة التجارة العالمية التي استغرق إعدادها أكثر من نصف قرنٍ.

مكافحة الإغراق ..
والمنافسة العادلة
تعد مكافحة الإغراق إحدى أبرز الآليات التي تلجأ لها الدول لحماية الصناعة المحلية لمعالجة الممارسات التجارية المضرة بالمنافسة العادلة. فعندما تقوم شركة ما بتصدير منتج أو أكثر من منتجاتها بسعر أقل من السعر الذي تتقاضاه عادة عند بيع المنتج نفسه في سوق بلدها الأم أو عندما تبيع ذلك المنتج بسعر يقل عن تكاليف إنتاجه، فيقال عندها إن الشركة تغرق سوق التصدير على اعتبار أن هذا لا يشكل منافسة عادلة مع المنتجين لتلك السلعة في بلد التصدير. وتختلف الآراء حول ما يمكن وصفه بأنه «إغراق» من كونه سياسات تدخل ضمن «المنافسة العادلة» التي تشكل أحد مرتكزات التجارة الدولية. ولعل هذا يفسر لجوء عديد من الحكومات إلى تبني قضايا مكافحة الإغراق حماية لصناعاتها المحلية حتى مع عدم وجود مبررات موضوعية تبرر اتخاذ مثل تلك الإجراءات. جدير بالذكر أن اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الإغراق لا تصدر أحكاما حول الإغراق وإنما تحدد كيف يمكن أو لا يمكن للحكومات أن تتصرف حيال الإغراق ـ أي أنها تنظم الإجراءات ضد الإغراق ولا تحكم عدالتها.
إضافة إلى آليات مكافحة الإغراق تجيز أنظمة المنظمة للدول تبني تدابير وقائية ضد الزيادة النسبية والمطلقة في واردات سلع معينة من بلد معين خلال فترة زمنية محددة. وبشكل عام، يمكن القول إن اتفاقية منظمة التجارة العالمية تسمح للحكومات بأن تتصرف ضد الإغراق عندما يكون هناك ضرر «مادي» حقيقي على الصناعة المحلية المنافسة للمنتج الإغراقي. ولكي تستطيع الحكومات أن تتصرف ضد الإغراق يجب عليها أن تبرهن على أن هنالك إغراقاً فعلياً وأن تحتسب هامش الإغراق (أي مدى انخفاض سعر المنتج الإغراقي مقارنة بسعره الذي يباع به في سوق بلده) وأن تبين أن المنتج الإغراقي يتسبب في الضرر أو يتهدد بوقوعه، وهذه أمور يصعب تحديدها بدقة إضافة إلى أنها تأخذ مدى زمنيا يمتد عادة مابين 6 و18 شهرا.
ووفقا لإحصاءات منظمة التجارة العالمية حصلت زيادة مطردة في عدد قضايا الإغراق خلال عامي 2008 - 2009، فبعد تراجع مستمر خلال السنوات الماضية نتيجة للعولمة الاقتصادية عادت قضايا الإغراق لتأخذ مسارا تصاعديا فارتفعت من 107 قضايا عام 2007 إلى 138 قضية في عام 2008 وبنسبة زيادة سنوية بلغت 39 في المائة. وفي النصف الأول من عام 2009 ارتفعت معدلات قضايا الإغراق بنسبة 17 في المائة عن مستوياتها خلال الفترة نفسها من عام 2008 وبلغت 98 قضية كانت موزعة قطاعيا كالتالي: 43 قضية في قطاع المعادن، 22 قضية في قطاع الكيماويات، 19 قضية في قطاع الألياف، و14 قضية في قطاع البلاستيك.

الحمائية .. بين الرفض والقبول
مازال الجدل مستمرا وأعتقد أنه سيستمر لسنوات طويلة قادمة بين من يرى أن الحمائية مبررة وأولئك الذين يعتقدون أن أضرارها أكثر من فوائدها.
ويشير أنصار الحمائية إلى أن حرية التجارة فقدت مشروعيتها في اقتصاد عالمي متشابك تنساب فيه رؤوس الأموال والاستثمارات بحرية عبر الحدود. ويضيف هؤلاء أن تبني الدول لسياسات التجارة الحرة يقلل الإيرادات الحكومية من الجمارك على الواردات مما يضطرها إلى فرض ضرائب محلية لتعويض النقص في الإيرادات، الأمر الذي يؤثر سلبا في تنافسية الصناعات الوطنية فيها. إضافة إلى ذلك يرى هؤلاء أن الحواجز الجمركية تساعد الصناعات الناشئة في الدول النامية بما يجعلها قادرة على النمو والمنافسة لاحقا في الأسواق العالمية بما يرتبط بذلك من فوائد من بينها حماية الوظائف وخلق المزيد من فرص العمل. وينطوي ذلك على أن تكون تلك الرسوم عالية بما فيه الكفاية لتجعل الصناعات المحلية قادرة على المنافسة. وهذا الرأي يتبناه أيضا عدد من الاقتصاديين من الدول الصناعية ذات معدلات البطالة العالية الذين يرون أن الحمائية تعد سياسة اقتصادية مقبولة مستندين إلى أطروحة لبول سامويلسون مؤسس علم الاقتصاد الحديث يقول فيها «من شأن قيام الدول بدعم صادراتها على نحو فعال وبضمانها أسعار الصرف المنحرفة بشكل دائم أن تخلق مشكلات حقيقية لمبادئ التجارة الحرة بما يؤدي إلى سرقة الوظائف من دول أخرى، وفي هذه الحالة فإن أي دولة لديها معدلات بطالة عالية يحق لها تبني كافة الإجراءات المتاحة».
في المقابل يتحفظ أنصار المدرسة المعارضة للحمائية على هذا الرأي ويرون أن تبني أنظمة تسهل انسياب السلع والخدمات والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة تحقق منافع عدة تتمثل بتخفيض الأسعار للمنتجين وللمستهلكين وتحفيز الطلب الكلي إلى جانب المساعدة على نمو التجارة العالمية الذي يمثل فائدة للنمو الاقتصادي في معظم البلدان .. فقد كان لنمو التجارة العالمية في السنوات الماضية أكبر الأثر في انتشال ملايين البشر من براثن الفقر في الاقتصاديات الناشئة وتحقيق خفض في الأسعار للمستهلكين في أنحاء العالم. ويضيف أنصار المدرسة المعارضة للحمائية بأن أحد أوجه الحمائية تتمثل بـسياسات (إحلال الواردات) والتي أثبتت فشلها في العديد من الدول النامية ويقدمون لإسناد وجهة نظرهم نتائج دراسات أجراها البنك الدولي أثبتت أن سياسات التصنيع للتصدير (Export-orientation) تساعد على تحقيق معدلات نمو عالية وهذه بدورها تتطلب تحرير التجارة العالمية.
وبغض النظر عن مشروعية الأسباب التي يقدمها كل طرف فإن درجة الحمائية يجب أن تقنن بحيث تتناسب عكسيا مع التنمية ـ فالدول المتقدمة تحتاج إلى حواجز أقل للتجارة الدولية لرفع معدلات الإنتاجية والنمو. وأحكام منظمة التجارة العالمية تسمح للدول النامية بفرض قيود تجارية لأغراض معالجة الخلل في ميزان المدفوعات. وهنا من المهم التأكيد على أن الحمائية قد تنجح في دعم الصناعات المحلية والمحافظة على بعض الوظائف المحلية لكن يبقى ذلك المفعول قصير المدى إضافة إلى أنها أثبتت في مواقع عدة من العالم بأنها تتسبب في تراجع جودة المنتجات وزيادة أسعارها وتقليص الخيارات المتاحة أمام المستهلك. فعلى سبيل المثال يبلغ سعر الأرز المستورد في اليابان خمسة أضعاف سعره عالميا بسبب فرض الرسوم عليه لحماية المنتج المحلي.

الحروب التجارية الحديثة
ترتب على الأزمة المالية العالمية انهيار متتابع على الطلب الكلي في الأسواق العالمية، وحسب تقديرات منظمة التجارة العالمية تراجع حجم تجارة السلع العالمية في عام 2009 بنحو 10 في المائة عن مستوياتها في عام 2008، وحصل تراجع في صادرات الدول الصناعية بنحو 14 في المائة فيما كانت حدة التراجع في صادرات الدول النامية أقل نسبيا وبلغت نحو 7 في المائة. ويأتي الانكماش في التجارة العالمية في عام 2009 بعد نموها بمعدل 4.1 في المائة في 2008 و 7.2 في المائة في 2007.
وكان وراء تلك التراجعات ضعف الطلب في الأسواق العالمية وتنامي الإجراءات الحمائية بين البلدان بما صاحبها من برامج وإعانات مالية لصالح السلع والخدمات المحلية لتشجيع الشراء من الإنتاج المحلي بدلا من المستورد. وخلقت الأزمة المالية العالمية أرضية خصبة لازدهار الحمائية وهو توجه من المرجح أن يستمر في المستقبل وبوتيرة متزايدة لأنه مرتبط بازدياد معدلات البطالة في الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة. والأخيرة أقدمت خلال العام الماضي على رفع الرسوم الإضافية المفروضة على الواردات وتبنت تدابير وقائية لحماية الإنتاج المحلي في قطاعات معينة وبخاصة قطاعي صناعة الصلب والسيارات. وهذه الإجراءات تنسجم مع تحذيرات أطلقها الرئيس الأمريكي أوباما خلال مشاركته في القمة الاقتصادية لدول آسيا والمحيط الهادي في عام 2009 بأن أمريكا غير مستعدة لأن تبقى السوق الاستهلاكية الأكبر لمنتجات هذه الدول، مطالبا إياها بالعمل على تعزيز استهلاك أسواقها المحلية كي يستمر نموها الاقتصادي مستقبلا. ويعبر هذا التحذير ليس فقط عن قلق أمريكا من سياسات الدول الآسيوية في عدم تحفيز استهلاك أسواقها المحلية وإتاحة الفرصة لتعزيز الصادرات الأمريكية لها، وإنما يعكس أيضا قلقا أمريكيا داخليا بخصوص تدني معدل ادخار الفرد الأمريكي وضرورته لبقاء أمريكا دولة اقتصادية عظمى. وهذه تتناغم مع دعوات كثيرة من أكاديميين وخبراء اقتصاديين في الولايات المتحدة تنادي بضرورة ترشيد الاستهلاك وزيادة نسب الادخار لأن أمريكا لا تستطيع أن تعتمد في اقتصادها فقط على الاستثمارات الخارجية وخصوصا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية. فالاقتصاد الأمريكي اليوم مثقل بديون تقدر بنحو 13 تريليون دولار وما يعمق هذه الجراح تقديرات بتجاوز العجز التجاري الأمريكي مع الصين عتبة 300 مليار دولار في عام 2009، وهذا العجز من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وبهذا الحجم هو الذي يقف وراء ما تحققه الصين من نسب نمو اقتصادي تصل إلى نحو 10 في المائة سنويا. وفي هذا السياق يرى بول كروغمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008 أن سياسة الصين التجارية التي جعلتها تتجاوز ألمانيا لتصبح أكبر دولة مصدرة في العالم في عام 2009 التي تغرق السوق الأمريكية بمنتجات وسلع زهيدة الثمن تكتسي صبغة عدائية كونها قد تسفر عن تقليص العمالة في الولايات المتحدة لتخسر ما يقرب من 1.4 مليون وظيفة. فعلى العكس من الدولار واليورو والين التي تتذبذب قيمها بحرية، فإن تحديد قيمة العملة الصينية رسميا بأقل من قيمتها الحقيقية عند مستوى 6.8 يوان مقابل الدولار الأمريكي جعل الصناعات الصينية تحظى بميزة كبيرة من حيث التكلفة على منافسيها، الأمر الذي نتج عنه فوائض تجارية كبيرة لصالح الصين.
وعلى خلفية هذه المعطيات تنامى التيار المنادي بمشروعية الحمائية وبالتالي فإن ما نراه اليوم من حمائية «خفيفة جدا» تبناها عديد من الدول المتقدمة قد تكون مقدمة لحرب تجارية ضروس مستقبلا. وأضحت الصين البلد الأكثر استهدافا بالتدابير والإجراءات الوقائية من قبل الولايات المتحدة وإلى حد أقل الاتحاد الأوروبي. ووفقا للإحصاءات الرسمية الصينية فإن 19 دولة اتخذت 100 إجراء بحق المنتجات الصينية في الأشهر الأربعة عشر الممتدة بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 وشباط (فبراير) 2010 وبقيمة إجمالية تقدر بنحو 12 مليار دولار. تضمنت هذه القضايا 57 قضية إغراق، 15 إجراءات وقائية، تسع قضايا دعم وحوافز، وأخيرا سبع قضايا تندرج ضمن بند الحماية الخاصة. ويلاحظ أن الولايات المتحدة هي الأكثر من بين تلك الدول في إثارة قضايا أو دعاوى تجارية ضد المنتجات الصينية حيث بلغت خلال التسعة أشهر الأولى من العام الماضي 14 قضية بقيمة إجمالية تصل إلى 5.84 مليار دولار وبارتفاع يصل إلى 639 في المائة عن مستواها في عام 2008. يذكر أن قيمة الصادرات الصينية للولايات المتحدة خلال تلك الفترة بلغت 1.56 تريليون دولار بانخفاض قدره 21 في المائة عن مستواها في الفترة المماثلة خلال عام 2008.
ويدرج الجدول (1) معدلات الرسوم الإضافية (إضافة إلى الرسوم الجمركية وتدخل ضمنها رسوم مكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية) التي تم فرضها من قبل الولايات المتحدة على الواردات الصينية التي راوحت ما بين 2 إلى 437 في المائة. ولم يختلف الأمر كثيرا في الاتحاد الأوروبي الذي فرض رسوماً إضافية بلغت 87 في المائة على الواردات من المسامير والبراغي من الصين.
والمتمعن في الإجراءات الحمائية الأمريكية يجد أن معظمها إن لم تكن كلها جاءت بناء على طلبات من اتحادات عمالية لعبت دورا مهما في انتخاب الرئيس أوباما الذي بدوره يحتاج دعمها لتمرير سياساته المحلية. وكان رد الصين المباشرة في قضايا إغراق ضد وارداتها من السلع الأمريكية من قطع غيار السيارات والدجاج الأمريكي. ويبدو أن اختيار هذه المنتجات لم يأت اعتباطا بل أريد منه توجيه رسالة تحذير مبدئي إلى الولايات المتحدة بإلحاق ضرر أكبر بقطاعات أهم لأن الصادرات الأمريكية من قطع غيار السيارات إلى الصين ضئيلة كما أن اهتمام الولايات المتحدة يكمن بالدرجة الرئيسية في المحافظة على وصول منتجاتها من لحم الخنزير وفول الصويا إلى السوق الصينية.
هذه الحروب التجارية التي زادت وتيرتها بعد الأزمة المالية العالمية لم تقتصر على الصين والولايات المتحدة بل امتدت لتشمل دول ومجموعات اقتصادية أخرى. ووقف هذه الحروب التجارية يكمن في وضع اتفاقات لمنع تنامي هذه الظاهرة التي قد تتفاقم بسرعة مع قيام دولة بفرض رسوم جمركية على منتج ترد عليها الدولة المعنية بالمثل، ما يقود بالتالي إلى الدخول في حلقة مفرغة.
خلاصة القول أن الانكماش الذي يمر به الاقتصاد العالمي جراء الأزمة المالية العالمية يمثل امتحانا جديا لالتزام الدول وصلابة قناعتها بتحرير التجارة العالمية ومدى التزامها بتعهداتها واتفاقاتها داخل منظمة التجارة العالمية وخارجها. وينحصر هاجس المهتمين بشؤون التجارة العالمية في لجوء الدول إلى تبني الإجراءات الحمائية للدفاع عن اقتصادها الوطني مغفلين بذلك أمرين في غاية الأهمية، الأول مرتبط بمعطيات تاريخية تفيد بأن السياسات الحمائية التي جربتها الدول لمواجهة أزمات سابقة لم تكن ذات نفع بل أسهمت في تأخير الخروج من تلك الأزمات، والأمر الثاني يتعلق بضرورة إيجاد توازن بين اتخاذ التدابير الحمائية المنصوص عليها في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وعدم استعمالها بغرض حمائي مبالغ فيه يضر بالقطاعات الاقتصادية المحلية إضافة إلى اقتصاديات الدول المصدرة للسلع والخدمات. وللحديث بقية.

الجزء الثاني الأسبوع المقبل

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي