فوضى الأسواق الناشئة.. إلى متى؟

قدمت الأسواق الناشئة بعض أهم الفرص الاستثمارية على مستوى العالم وأكثرها جاذبية خلال العام الماضي، وأغلقت العديد من أسواق المال على ارتفاعات من ثلاثة أرقام. وبينما سجلت بعض هذه الفرص عودة للاستقرار من أصعب فترات الأزمة المالية، عكست أيضاً فرصاً مواتية للتقارب الاقتصادي، وأظهرت مرونة تلك النظم الاقتصادية بشكل عام. لقد أثبتت الأزمة العالمية بطرق عديدة أن الأسواق الناشئة استفادت من الدروس التي تعلمتها من الأزمات السابقة. ورغم أن النظم الاقتصادية الناشئة استمرت بطرق عديدة في التحسن أمام نظيراتها المتقدمة إلا أن أداء العديد من مؤشرات الأسواق الناشئة كان مخيباً للآمال منذ مطلع هذا العام. وفي اعتقادنا، سيشكل ذلك عقبة كبيرة أمام هذه المؤشرات قبل أن تعود إلى النمو من جديد، وبوتيرة أسرع مما مضى.
 توقف لالتقاط الأنفاس. منذ السباق المحموم الذي جرى بين أسواق المال الناشئة في مطلع كانون الثاني (يناير)، ظلت هذه الأسواق تسجل عوائد مخيبة للآمال. حصد مؤشر بوفيسبا في ساو باولو نسبة 82.7 في المائة العام الماضي، وتسجيل مؤشر سينسيكس وشنغهاي في الهند، مستويات أداء مرتفعة ومتقاربة هي 81 في المائة و80 في المائة على التوالي، جعل الأسواق الناشئة تضاهي نظيراتها الغربية خلال الشهرين الماضيين، واللاعبون الذين كانوا الأكثر نشاطاً خلال العام الماضي باتوا الآن ضمن المنطقة الحمراء من أول السنة حتى اليوم. الأداء الأساسي والنظرة المستقبلية لهذه الدول تختلف بعض الشيء عما كانت عليه خلال موجة ازدهار الأسواق. كما أن بعض الأسواق مثل روسيا والبرازيل ظلت محافظة على جاذبيتها وفقاً للمعايير العالمية، رغم الصعود الذي شهدته في عام 2009م.
 ما الذي تغير؟ من الواضح أن الأسواق الناشئة وصلت إلى منعطف مهم بصفتها فئة من الأصول. ويبدو أن السبب في ذلك هو اجتماع عنصرين اثنين أكثر من أي شيء آخر. أولاً، الازدهار الذي شهدته تلك الأسواق العام الماضي كان في معظمه قد تعافى من الحركة التصحيحية الحادة وغير المعتادة التي شهدتها السوق. الهبوط تسبب في سوء تقدير المستثمرين لأداء النظم الاقتصادية الناشئة ومدى مقاومتها للأزمات. في بيئة عامة تبغض المخاطر، اعتمد كثير من المساهمين في السوق على افتراضات غير حقيقية حول الأسواق الناشئة، وعلموا بعد ذلك أن هشاشة هذه الدول سياسياً واقتصادياً كانت أكبر بكثير مما هي عليه اليوم. كما أن الأزمة العالمية الحادة تسببت في تشكيل تصورات سلبية حول أسعار السلع ومستويات التجارة الدولية. المراجعة الأساسية لهذه الافتراضات بالعودة إلى نظرية الانفصال مهدت الطريق لنقلة واضحة في ثقة المستثمر لصالح الأسواق الناشئة.
 من الواضح أن التراجع المبدئي لأسواق المال الناشئة لم يكن ليستمر طويلاً. يبدو أننا الآن دخلنا مرحلة تكون فيها هذه الأسواق منساقة عبر التصورات الأساسية لأدائها وليس من خلال الاستقرار الذي تعيشه. أما العامل الثاني الذي أسهم في تشكيل هذه النقلة في التفكير هو التعقيد المتنامي للرؤى الاقتصادية بعيدة المدى للدول النامية. الافتراضات السابقة بوجود نمو قوي، والدور الجديد الذي تلعبه اقتصادات الدول الناشئة بصفتها عاملاً أساسياً في الاقتصاد العالمي جميعها تسهم في ظهور القلق حول وتيرة واستقرار نمو أسواقها. 
تبقى الرؤى المستقبلية إيجابية. ولكن موقف السياسات الاقتصادية في تغير. رغم هذه الشكوك، فإن الرؤية المستقبلية الأساسية لاقتصاد الدول النامية تبقى إيجابية ومرنة. ويبدو أن السلطات الصينية لديها التزام قوي بضمان أن النمو الاقتصادي سيبقى فوق مستوى 8 في المائة وفي الهند، توقعت الحكومة في الميزانية التي أعلنتها أخيرا ارتفاع نمو الاقتصاد من 7.2 في المائة إلى 8 في المائة خلال هذا العام. ويبدو أن العديد من دول جنوب شرق آسيا ستفاجئنا بصعود أسواقها. ومرة أخرى، يبدو أن البرازيل تقود أسواق أمريكا اللاتينية بنسبة نمو متوقعة قدرها 6 في المائة حتى دول شرق أوروبا الناشئة، التي تأثرت من الهبوط الإقليمي، يبدو أنها تجاوزت الأسوأ، وبعضها قام فعلاً بتطبيق حزمة شاملة من الإصلاحات لمعالجة نقاط الضعف التي ظهرت خلال الأزمة. 
تدفع مرونة الأسواق الناشئة حكوماتها إلى تغيير سياساتها الاقتصادية بشكل أكثر حزماً. وفي ظل قوة الطلب المحلي وتعافي القطاع المالي، لم تعد العديد من الأسواق الناشئة بحاجة إلى إنفاق حكومي ضخم لدعم الاقتصاد. وبالنتيجة، بدأت السلطات الآن في إعادة تأطير معايير الطوارئ هذه، حتى وإن كان عدد من الحكومات لا تزال تضع نفسها في خانة الحذر. اعتدال الموقف الاقتصادي الأساسي يبرز عوائد معقولة للنظام الاقتصادي المحافظ، وتعتمد بعض الدول، وخصوصاً الهند - إحدى النظم المالية الأكثر هشاشة ضمن الأسواق الناشئة - طريقة لدعم أسعار الائتمان وتخفيف شد الأحزمة بالنسبة للقطاع المالي.
أيضاً، ستغدو السياسات النقدية أكثر حزماً. ومرة أخرى، هذا يتضمن سحب إجراءات الطوارئ، ولكن في بعض الدول لا تزال هناك ضغوط تضخم متنامية تحتاج إلى استمرار هذه الإجراءات. ومن المتوقع أن ترى معظم الأسواق الناشئة الرئيسية ارتفاعاً في أسعار الفائدة يتراوح من 100 إلى 250 نقطة أساس بحلول نهاية هذا العام، مما قد يعني العودة إلى نسبة من رقمين في السياسة النقدية لبعض هذه الدول. وبينما سيؤدي هذا إلى رفع أسعار الائتمان، سيعمل على خفض المخاطر بشأن أي أخطاء في توزيع المصادر واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في ظل ازدياد فرق أسعار الفائدة فيها عن تلك في الأسواق المتقدمة، فإن المستويات المتوقعة لأسعار الفائدة طبيعية تماماً، خصوصاً إذا نظرنا إلى المعايير التاريخية. وهكذا، فإن التحركات المتوقعة يجب النظر إليها انطلاقاً من ظروف اقتصادية مستقرة وليس أي شيء آخر.
تبقى الرؤى المستقبلية إيجابية. رغم أن الرؤى المستقبلية للأسواق الناشئة هي أقل جاذبية بكثير من العام الماضي بشكل عام، إلا أنه من المتوقع أن يبقى أداؤها جذاباً. ورغم الأساسيات الإيجابية، فهذا لا يعني أن الأسواق الناشئة تقترب من سد فجوة المصداقية التي اعتادت التأثير عليها في الماضي. بعض هذه الأسواق تتشارك التحديات الديمغرافية التي تواجهها الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وسيكون عليها التماشي مع العالم بعد موجة الازدهار العالمي التي كان خلالها الاعتماد على الصناعة منخفضة التكلفة وصادرات السلع كافياً لتوليد نمو متزايد. التحول إلى نموذج جديد يركز على الداخل مطلوب.
تعزيز الاستهلاك والاستثمار المحلي يجب أن يبقى نقطة التركيز الأساسية. ويبدو أن هذا التحدي ستزداد قوته بسبب التنامي التدريجي لأسعار العملات في هذه الأسواق مقارنة بالدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. أيضاً لم تقم الدول المتقدمة بمعالجة مصادر القلق السياسية. ويضمن تحدٍ رئيسي تحولاً منظماً من الجيل الأول من القادة الإصلاحيين ــ والإصلاحات ــ إلى الجيل الذي بعده. ورغم الرؤى المستقبلية الإيجابية فإن المهمة لم تنجز بعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي