عندما لا يكون تعثر الصكوك تعثرا حقيقيا

في أعقاب الأحداث الأخيرة في دبي، نُشِرت مجموعة كبيرة من المقالات حول عمليات التعثر التي صاحبت الصكوك، حيث أشارت تعليقات بعض المحللين إلى أن المصرفية الإسلامية ستشهد نوعاً من التراجع. وفي حين أن كثيراً من المحللين على ثقة من وقوع حالات التعثر في المستقبل، إلا أن البعض الآخر يرى أن حقوق حاملي الأسهم وخيارات التسوية المتاحة لهم لا تختلف عن الخيارات والحقوق المتاحة لحاملي السندات التقليدية.
حين تكون حالات التعثر في سوق هياكل الصكوك ناشئة عن الالتزامات التعاقدية المستوردة من السندات التقليدية، فإن حالات الإعسار التي من هذا القبيل لا تكون بالضرورة ملزِمة في قرارات المحاكم الشرعية، بصرف النظر عن القرارات المتخذة من قبل المحاكم الأجنبية.
إن إلقاء اللوم على المصرفية الإسلامية بالنسبة للتعثر في الصكوك هو عبارة عن تبسيط مخِل ويدل على قلة المعرفة. حالات «التعثر» التي تحدث اليوم في الأدوات الاستثمارية لا تعد بالضرورة حالات تعثر حقيقية في الأدوات الإسلامية، لأن بنود العقد التي من هذا القبيل تفرض نوعاً من نقل المخاطر ترفضه المصرفية الإسلامية.
إن إدانة المصرفية الإسلامية بسبب أحكام تم تحديدها من قبل على أنها تنطوي على مشكلات، وهي أحكام تخالف المبادئ الشرعية التي تصدرها هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية، هذه الإدانة تعد في الواقع تجريماً لهياكل «تفتقر إلى الاستقامة»، وتتظاهر بأنها لا تعلم واقع الحال، وليس إدانة للمصرفية الإسلامية نفسها. ستستمر المصرفية الإسلامية بالنمو إذا قامت بتطوير منتجات صادقة، وتعطي الأساس الأخلاقي القائم على اقتسام المخاطر وليس على تحويلها من جهة إلى أخرى.
نتناول في هذا المقال البنود المذكورة في وثائق الصكوك والمستوردة من هياكل السندات التقليدية، والسبب في أن إدراجها يسبب مشكلات في فرضها، ونعد أن حاملي الصكوك ربما يكونون فعلاً ملزَمين بالتمسك بتعهدهم القاضي بالالتزام بالأحكام الشرعية بصرف النظر عن البنود التعاقدية التي تم الاتفاق عليها بين الأطراف. فالاتفاقيات الفردية لا تستطيع تجاوز القانون الشرعي.
فالصكوك هي عبارة عن شهادات متساوية القيمة تمثل مصلحةَ ملكية في أموال ملموسة. تذكر معايير هيئة المراجعة والمحاسبة أن الصكوك لا تشكل ديناً على جهة الإصدار من قبل حامل الشهادة، وأن المالكين يقتسمون العوائد ويتحملون المخاطر. من الواضح إذن أن المقصود بالصكوك هو أن تكون أدوات استثمارية من النوع الذي يعطي حقوق الملكية لحاملها، وأية إشارات إلى الصكوك باعتبارها سندات إسلامية هو تناقض واضح في الألفاظ ومضلِّل بالنسبة للمستثمرين، الذين ربما يعتقدون أن لديهم أحكاماً قانونية تعطيهم حق التعويض وحق الرجوع على النحو الموجود في السندات التقليدية، وهي أحكام ربما لا تكون في نهاية الأمر قابلة للفرض في بعض مناطق الاختصاص في البلدان الإسلامية.
أثار الفقهاء قضايا تتعلق بهياكل الصكوك تناقش فيما بينها المواضيع التالية:
ضمانة العائد على رأس المال لحاملي الصكوك (إما من خلال تعهدات مقدمة من المدير أو من جهة الإصدار، بهدف استرداد الصكوك بحسب قيمتها الاسمية وليس بحسب قيمتها السوقية).
تقديم ضمانات شراء معززة ائتمانياً من قبل الشركات الأخرى المرتبطة.
بصورة عامة حين يتم توحيد معايير وأحكام الصكوك، فإن هذا يعطي صورة عن استثمار من نوع حقوق الملكية التي لا يمكن اعتبارها ديناً يستحق الدفع لحامل الصك.
أحكام الإعسار في الصكوك التقليدية التي يتم إدراجها بصورة متكررة في مستندات الصكوك يبدو أنها تعطي المستثمرين أداة استثمارية إسلامية تبدو، من حيث الصورة التعاقدية على الأقل، على أنها شبيهة بالسندات. وفي حين أن الفتاوى الشرعية تصدُر حتى تشعر المستثمرين بالراحة من حيث إن الأدوات الاستثمارية المذكورة تعمل وفق الأحكام الشرعية، إلا أن الفتاوى التي من هذا القبيل خاضعة لتفسيرات مختلفة، حين تتناقض فتوى معينة مع معايير هيئة المراجعة والمحاسبة، فإن صدقيتها تصبح واهية.
وفي حين أن حاملي الصكوك يقتسمون العوائد، إلا أنهم يتحملون خطر تراجع قيمة رأسمالهم في الظروف العصيبة، شريطة ألا يكون هناك إهمال من جانب جهة الإصدار أو المدير.
المصرفية الإسلامية مجال متسامح، وباستثناء المحظورات الأساسية التي لا يجوز لأحد أن يقربها، فإنه من الممكن تطوير هياكل متعددة لخدمة الحاجات التجارية المتنوعة. لكن اعتبار الصكوك على أنها سندات إسلامية يشبه حشر خشبة مربعة في حفرة دائرية ثم نتساءل عن السبب في عدم دخول الخشبة بصورة مناسبة.

المقال منقول عن مجلة Credit Magazine

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي