مطار الرياض بأيدي هيثرو

لطالما راودني عنوان هذا المقال مرارا خلال العقدين الماضيين عندما كانت دواعي العمل تتطلب مني التنقل بين مطاري الملك خالد الدولي في الرياض وهيثرو في لندن. وكانت هذه الفرضية تمر بمخيلتي كلما غادرت هيثرو مليئا بمشاهدات المطار الديناميكية وحطت قدماي الرحال في مطار الرياض بمشاهداته الجامدة. لا أتذكر أنني يوما وجدت مطار هيثرو دون جديد هنا أو هناك، أو دون أعمال تطوير قائمة في جزء من المرافق أو الصالات. والغريب أن أعمال التطوير تلك يتم تنفيذها بسلاسة دون تأثير جذري في حركة 150 ألف مسافر أو يزيدون في اليوم الواحد! الأمريكيون أول من اخترع الطائرة وأول من استخدمها تجاريا، وأول من حرر تشريعات النقل الجوي، إلا أن البريطانيين هم من أسس وتملك علم الجودة والإبداع والرفاهية في صناعة النقل الجوي. ولم تتوقف الثورة البريطانية في صناعة النقل الجوي عند هيثرو بل تمتعت بها الدول ذات العلاقة التاريخية ببريطانيا، حيث شهدت نشوء خطوط جوية ومطارات ظلت سباقة نحو الجديد والجودة والإبداع مثل هونج كونج وسنغافورة ودبي. المقارنة بين مطار الرياض ومطار هيثرو تحمل كثيرا من المفارقات والدروس، فمطار هيثرو ظل دوما يعاني عدم وجود مساحات للتوسع لمواكبة النمو السنوي الكبير في الحركة الجوية، وتلك المساحات كانت تشمل المدارج والصالات ومرافق الخدمات المساندة على السواء. بينما ظل مطار الرياض جامدا عبر السنين رغم المساحات البيضاء الشاسعة، وأسيرا لعقود التشغيل والصيانة التقليدية ومكبلا باللوائح الإدارية التقليدية التي لا ترى الدوامة المتسارعة في تطور صناعة النقل الجوي بقطبيها المطارات والخطوط الجوية. تصميم مطار الرياض أو جدة أتى من معايير التصميم والبناء في الزمن القديم كمطار هيثرو، إلا أن الأخير استطاع الاستفادة من واقعه وموارده وتطور بسلاسة وبديمومة مدروسة عبر السنين. فمطار هيثرو من الخارج قد لا يسر كثيرا من المسافرين، إلا أن التجربة الحقيقية التي يريدها المسافر من المطار تبدأ بدخول صالات المطار وتنتهي بجلوسه على مقعده في الطائرة. هذه التجربة قد تكون أقل من الساعة وقد تصل إلى ساعات، قد تكون معاناة وقد تكون متعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي