من «إنرون» إلى اليونان .. ماذا بعد؟

تحدثنا في مقال سابق عن أزمة اليونان وعن الأبعاد الاقتصادية والسياسية التي من الممكن أن تحملها تبعات تلك الأزمة، وكذلك تابعنا كثيرا من التطورات خلال الأسابيع الماضية ما بين ردود أفعال من دول أوروبية مختلفة وعن ردة فعل الاتحاد الأوروبي تجاه إيجاد حلول للأزمة وكذلك عن معلومات جديدة ذات علاقة بالأزمة ودخول أطراف جديدة على الخط. ويبدو أن مزاج الاقتصاد العالمي خلال الأسابيع الأخيرة أصبح يتبع بشكل ما تطورات أزمة اليونان من ناحية الحلول مع الأخذ في الاعتبار الأسباب التي أدت إلى نشوء الأزمة في المقام الأول.
ولعل الحدث الأبرز في تلك التطورات هو دخول بنك جولدمان ساكس الاستثماري على الخط شريكا في هذه الأزمة، حيث تقول التقارير إن «جولدمان ساكس» ساعد بالفعل اليونان قبل نحو عقد من الزمن على إخفاء مديونيتها الضخمة عبر عمليات مالية معقدة ومحفوفة بالمخاطر وإخفاء حجم ديونها الحقيقي بهدف تخفيض نسبة الاقتراض إلى الدخل القومي، كي يكون في وسعها تلبية شروط الانضمام إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة، وهو ما حصلت عليه اليونان فعلا في عام 2004، لكن يبقى كثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات قبل الخوض في تفاصيل وتبعات هذا التورط مع الجداول الزمنية لعملية التضليل المحاسبي التي اتبعتها اليونان لإخفاء الوضع الحقيقي لديونها.
وجاءت هذه التقارير لتعيد لنا ذكرى فضيحة «إنرون»، حيث كانت «إنرون» إحدى كبريات شركات الطاقة الأمريكية التي أعلنت إفلاسها في كانون الأول (ديسمبر) من سنة 2001 عقب إقرارها بممارسات محاسبية مضللة لمكتب المراجعة العالمي الشهير «آرثر آند أندرسون»، الذي اتهم حينها بإخفاء ديون كبيرة على الشركة محاسبيا حتى وقعت الفأس في الرأس وانتهى تاريخ «إنرون» في أشهر عملية إفلاس شهدها التاريخ الأمريكي، وأهم من ذلك دق المسمار الأخير في نعش «آرثر آند أندرسون» الذي كان أحد المكاتب الخمسة الكبرى Big Five ‏وهي تسمية تطلق على أكبر خمس شركات محاسبة وخدمات مهنية في العالم، الذين يقومون بإجراء التدقيق المحاسبي لأكبر الشركات العالمية الحكومية والخاصة.
واليوم فإن أزمة دولة اليونان تحمل الصفات نفسها مع شركة إنرون وتدخل «جولدمان ساكس» يشابه إلى حد ما دور «آرثر آند أندرسون»، والفارق أننا نتحدث عن دولة في مقابل شركة، وأبعاد التلاعب المحاسبي لديون اليونان أصبح يحمل أبعادا إقليمية مباشرة لمجموعة اليور وأبعاداً عالمية غير مباشرة على الاقتصاد العالمي، في وقت لا يحتاج العالم إلى أخبار سيئة أخرى قد تؤثر في طموحات النمو والخروج من الأزمة.
لكن الحديث يطول بخصوص «جولدمان ساكس»، الذي إذا ما ثبت تعمده إعطاء معلومات مضللة وتورطه في هذه الأزمة فإننا سنرى «آرثر آند أندرسون» مطورا، قياسا بحجم التعمد وقياسا بحجم الضرر على الاتحاد الأوروبي الذي بلا شك سيبحث عن أقصى المكاسب المادية والمعنوية للمحافظة على كرامة الوحدة الأوروبية وتقليل الآثار السلبية لأزمة اليونان. هذا بخلاف ما قد ينتج سياسيا بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إذا ظهرت تفاصيل أكثر وأخطر.
تاريخ التلاعب بالحسابات، بدءا بـ «إنرون» ومرورا ببنك ليمان براذرز وانتهاء باليونان, وأكاد أجزم بأن القائمة طويلة، تبقى الأسئلة كبيرة حول الدور الذي تلعبه المكاتب المحاسبية والمؤسسات المالية في الأزمات العالمية التي أصبحت اليوم تتعدى الشركات لتصل الدول وتتعدى الحدود الجغرافية للدول لتصبح عالمية التأثير. كذلك فإن أزمة اليونان بلا شك ستضع عديدا من التشريعات الجديدة كما حدث بعد أزمة «إنرون» وحدود صلاحيات المكاتب المحاسبية والمؤسسات المالية والاستثمارية وعلاقتها مع عملائها، وإذا ما ثبتت التهمة فعلا على «جولدمان ساكس»، فإن المجال أوسع للتوقعات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي