الجنادرية: الزين لا بد أن يكمل (2-2)
كنتُ قد أشرتُ في الجزء الأول من هذا الموضوع إلى بشائر الخير التي زفها لنا سمو الأمير متعب بن عبدالله عن مستقبل الجنادرية وغدها المشرق، ولا شك أن للجنادرية محل الصدارة في خدمة الحركة الثقافية في بلادنا، فثمة عطاءات كثيرة قدمها المهرجان الوطني للتراث والثقافة خلال دوراته المتعددة، ولعل من بين هذه العطاءات اكتنازه لثروات معرفية متنوعة، حملها المشاركون من الداخل، وحملها إليه الضيوف القادمون من مشارق الأرض ومغاربها، من أفكار، ورؤى، وتصورات، وأسئلة، تؤكد انفتاح المهرجان على مختلف الثقافات والحضارات التي تتمثل في عملية تأثير وتأثر متميزة بين ما تكنه ثقافتنا العربية الإسلامية، وما تختزنه هذه الثقافات من إبداعات ورؤى.
إن غزارة الإنتاج الذي قدمه مهرجان الجنادرية في مجال التراث – مثلا - وكذا الأوبريت كانت دعما لمكتبات التليفزيون السعودي، فوفرت لأرشيف التليفزيون المشاهد النادرة والمعلومات الفريدة.
كلنا يدين للجنادرية هذا الاحتواء لثقافتنا وعطاءاتنا الثقافية والفكرية، حيث إن الزين لا بد أن يكمل – كما أشرت- فإننا مطالبون أن نكون أكثر دعما لهذا المنجز، وإن كان المثقفون يتطلعون لأن تحظى الجنادرية بهيكلة دائمة ومتفرغة للعمل المستمر من أجل ضمان الاستمرار في العطاء، ومن أجل أن تحضر الجنادرية بصفة دائمة، وليس بتلك الإطلالة المبهرة التي لا تدوم سوى أسبوعين فقط ثم تغيب عنا.
أتمنى أن نرى أمانة عامة للمهرجان تعمل على مدار العام، وتحظى بمقر دائم يصبح معلما من معالم مدينة الرياض، ولكنه بملامح الجنادرية ذاتها، يزوره المثقفون وتقام فيه الندوات والمناسبات الوطنية طوال العام، ويكون على قائمة جدول زوار المملكة الدوليين من ساسة ومثقفين ومفكرين، ليتعرفوا إلى هذا المنجز عن قرب، ويطلعوا عبر مكتباته وأفلامه التسجيلية على هذا العمل الجبار الذي يبذل في الخفاء ثم لا نشاهد نتائجه إلا على مدى أسبوعين فقط.
لا بد أن يكون للجنادرية تفاعل اجتماعي نابض على مدار العام، وأن يكون التواصل مع المثقف موصولا بالعمل المشترك من ندوات وحوارات مفتوحة، ولقاءات ودية مشتركة بين جميع أطياف المجتمع.
وقد أحدث مهرجان الجنادرية في دورته الـ 25 قدرا من تغيير آلياته ، وتقديم صورة جديدة من النشاط الذي انبنى هذا العام على تعدد وتنوع الفاعليات الثقافية، وتنوع عقد أماكنها بحيث تتوزع على الجامعات وعلى الأندية الأدبية، وعلى مؤسسات المجتمع المدني.
وهذا كله جعل المهرجان يستعيد وهجه، وأهدافه التي من أجلها انطلق ، خاصة أن المهرجان يشكل في حد ذاته مدرسة متنوعة تربى في أروقتها وفصولها وندواتها وأنشطتها ومراكزها الإعلامية كتاب ومثقفون وإعلاميون وفنانون تشكيليون وشعراء، ففي الجنادرية انطلق المسرح السعودي وتطور بشكل لافت من خلال الأنشطة المسرحية للمهرجان، وفي الجنادرية تطور الفن التشكيلي السعودي من خلال عشرات المعارض التي أقامها المهرجان، وفي الجنادرية تلاقت الفنون الشعبية التراثية وتنوعت، وتلاقحت بشكل أثمر عن ملامسة المواطنين لهذا الزخم الذي تكنزه هذه الفنون من رقص شعبي، وأهازيج، وغناء شعبي، وحرف وصناعات يدوية شعبية ، كما كانت المراكز الإعلامية للمهرجان مدرسة صحفية تخرج فيها عديد من الإعلاميين، وبعضهم صاروا رؤساء تحرير، أو مديري تحرير بالصحف والمجلات، وكم هو جميل لو يصادف عقد هذا المهرجان إجازة منتصف الفصل الدراسي الثاني، ما يعد تسهيلا للراغبين من مناطق المملكة ومحافظاتها في زيارة الجنادرية.
إن هذه المدرسة الثقافية الكبيرة التي تحتضن تراثنا وثقافتنا وهويتنا، كبيرة جدا في أعيننا كسعوديين، فقد صنعت بتوفيق من الله - تعالى - على أعين قادة البلاد، وسمقت وآتت أكلها، ولهذا يجب العناية بها، وتوسيع حدائقها الثقافية لتبقى دائما مثمرة، وساطعة، وغنّاء.