جولة ابتزاز إسرائيلي للولايات المتحدة
رغم الإذعان الأمريكي الكامل لكل ما تطلبه إسرائيل, ورغم الوفاق الاستراتيجي بين الطرفين والتعهد الأمريكي المستمر بحماية أمن إسرائيل مما يكسبها قوة ردع كبيرة تخيف أعداءها, إلا أن الإسرائيليين, وكما تعودوا دائما, لا يتوقفون عن الابتزاز, خاصة إذا ما ظهرت بادرة أو سانحة يمكن أن ينفذوا منها لتحقيق مكاسب وتأكيد قوتهم.
آخر هذه الحملات, تلك الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية والمأجورة لحسابهم في أمريكا, بعد زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل. ورغم أن الرجل قدم كل قرابين الولاء على المعبد الصهيوني وقدم التعهد الصارم بالولاء والوفاء لإسرائيل, إلا أن مدافع الهجوم لم ترحم هذا الرجل الوفي لهم وذلك من باب تخويف ''المربوط والطليق''.
كتب إسرائيلي في صحيفة أمريكية ''إن إدارة أوباما تضغط الآن على الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط'', وهي نغمة مكررة, حيث يدرك الأمريكيون أن العصابات الحاكمة مهما كان أسلوب تداولها السلطة هي جماعات عنصرية تعمل تحت أسنة رماح جيش صهيوني, ويجري الترويج لحالات الانتخاب التي تجري بين وقت وآخر, ولكنهم جميعا خدام للفكرة الصهيونية العنصرية, ولا مجال لديمقراطية وحقوق آخرين في هذا الإطار المريض.
كاتب آخر كتب تعريفا لكلمة ''عدو'' كما وردت في القواميس, فقال: إن ''عدو'' هو الشخص الذي يكرهك ويقوم بمؤامرات تضربك أو يندمج في أنشطة تواجه مصالحك وتضر بها, وهو كذلك الخصم أو الشخص المضاد''. بعد اصطياد هذا التعريف يبدأ الصهيوني العدواني بتطبيق ذلك على أغلى أصدقائهم وأهم حلفائهم, فيقول ''إن هذه الإدارة وكذلك الإدارات الجمهورية التي سبقتها تقوم بمؤامرات مضادة لمصالح إسرائيل وأنشطة ضد كيانها'', وهي الطريقة المثلى للتخويف, ويضيف: ''قد تكون هذه الأنشطة المعادية غير مقصودة, لكن النتيجة النهائية ستؤدي حتما إلى النتائج المؤذية نفسها''.
وفجر هذه الجولة من الهجوم والابتزاز قرار وزارة الداخلية الإسرائيلية ببناء 1600 وحدة سكنية في شرق القدس, وبالتحديد في مستعمرة (ولا أقول مستوطنة) رامات شلومو, التي يزعم الصهاينة أنها تقع في منطقة متنازع عليها. ويتعجب الكاتب الصهيوني: ما الذي يضايق الولايات المتحدة إذا قامت إسرائيل ببناء بضعة منازل؟
وقال كاتب إسرائيلي آخر إن سياسة واشنطن بالضغط على إسرائيل مستمرة منذ عقود مضت وتواصل واشنطن تطبيقها لإرغام إسرائيل على التنازل. ويغض هذا الكاتب النظر عن الحقيقة وهي أن الولايات المتحدة تكسب المكاسب الإسرائيلية الشرعية بإرغامها على التنازل عن بعضها, وهي سياسة متفق عليها لابتلاع الأرض بالتدريج, والدليل هو ما وصلنا إليه الآن, والضغط المستمر على الفلسطينيين باختطاف أراضيهم والادعاء الصهيوني بأنها أرضهم وإيهام الغرب بأن إسرائيل هي التي تخسر! ويضرب الصهيوني كال توماتن مثالا على ''سماحة إسرائيل'' بأنها تنازلت عن قطاع غزة, ويعلم الجميع أن قطاع غزة كان شوكة في جنب المستعمر الصهيوني وأنه أرغم على تركه ومع ذلك لم يسلم القطاع من فظائع إسرائيل كما لم تهنأ إسرائيل بالراحة بفضل مقاومة الفلسطينيين. ويقول الإسرائيليون بمنطق المخادع والمدلس إنها تتعرض للسرقة وأن حامي لصوصها هم أمريكا وأوروبا وروسيا, ويدرك القاصي والداني أن هذا الثالوث لا يتحرك إلا بعدما يبلغ السيل الزبى, وبعد أن تكون الفظائع اليهودية قد بلغت ذروتها. وعلى سبيل الإثارة التي برع اليهود في إحداثها ما نشرته ''الواشنطن بوست'' تحت عنوان ''الولايات المتحدة ترغم نتنياهو على قبول ثلاثة مطالب'', ويعلق الكاتب اليهودي الميول ''ولا توجد أي مطالب تطلبها الولايات المتحدة من حماس'', ولانعدام النزاهة العقلية يرفض الكاتب أن يذكر أن حماس ومعها كل الفلسطينيين فقدوا كل شيء. لكن الكاتب يصر على أن طلب حماس الوحيد هو إزالة إسرائيل من الوجود, وهو شعار قديم رفعه اليهود منذ 1948 ونجحوا في اجتذاب التعاطف الدولي بسببه, وإن كان العرب قد توقفوا تماما عن التلميح لأي شيء في هذا الصدد إلا أن الإعلام الصهيوني يرى فيه فرصة ممتازة لكسب التأييد.
وتبدأ ملامح الفزع الإسرائيلي من حدوث انتفاضة ثالثة بسبب الانتهاكات والتجاوزات والعدوان الإسرائيلي على الأماكن المقدسة والاستمرار في خطف الأراضي.
وشأن الخطط الإعلامية السابقة كافة فإنه جنبا إلى جنب مع محاولة تمرير مطالبهم الاستعمارية, يحرص الإعلام الصهيوني على تقويض الموقف التفاوضي العربي أمام الغرب, ويزعمون أن ما يسمونها برامات شلومو هي أرض لا يمتلكها أحد! وأنهم - أي اليهود - قاموا بضمها إلى القدس بعد حرب يونيو 1967.
ويصل الأمر بأحد كتاب الصهاينة في أحد المواقع الصهيونية إلى أن يقول إن تسمية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني خطأ لا يغتفر لأن الأنسب في رأيه هو تسمية الصراع بالديني لأنه حرب المسلمين ضد اليهود والمسيحيين والعلمانيين والغرب والعالم المتطور.
أي أن أسلوب الاستعداء العالمي لم يسكن ولم يسكت, لكن أقلاما كثيرة في بلادنا سكتت عن هؤلاء المدلسين الذين يصفون كل الفلسطينيين الذين طردوا من أراضيهم وأصبحوا خارجها ''بمن يصفونهم باللاجئين'' ويتعجبون من مطالبة العرب والمسلمين بالقدس ويصنعون كل ما في وسعهم لتضييق رقعة المدينة وما حولها, لمنح العرب شريحة ضئيلة لا تحمل إلا الاسم.
وقد لاحظت هجمات شرسة على الكتب التي يقرأها العرب في مدارسهم ويطالب اليهود بتحسين صورتهم في هذه الكتب, وتعليم الأجيال الجديدة أن إسرائيل جزء أصيل من المنطقة, ولها الحق في الاستمرار كقوة حضارية ديمقراطية في واحة من التخلف والديكتاتورية.
وتنصب معظم التعليقات التي صدرت في أعقاب زيارة بايدن والمحاولات الإسرائيلية لاغتصاب مزيد من الأراضي في محاولة تحييد موقف الولايات المتحدة وتثبيته لمصلحة إسرائيل, وذلك بالحديث عن أن العرب والفلسطينيين والمسلمين هم العدو المشترك لأمريكا وإسرائيل.