حملة الصكوك جهلة بقوانين الشراء

خلال قمة “يوروموني” للمالية الإسلامية التي عقدت أخيرا، وجه الفقهاء الاتهامات لبعضهم بعضا بخصوص أن حملة الصكوك الإسلامية لا يملكون السيطرة على أصول الصك عند تعثر جهة الإصدار، مع العلم أن الشريعة تنص على ضرورة امتلاكهم هذه الأصول أي الصكوك الإسلامية. قال يعقوبي (كل صك يمثل حالة خاصة له وفقا لما هو مذكور في وثيقة الصك، وعليه فلا بد للفقهاء والمصرفيين والمحامين وحملة الصكوك من قراءة هذه الوثائق بشكل دقيق، فأي واحد لا يقوم بفعل ذلك ويقوم بشراء الصك فهو جاهل.

احتد النقاش بين عدد من فقهاء المصرفية الإسلامية من بينهم المشايخ: عثماني، ويعقوبي، وعبد الله المطلق عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بخصوص الصكوك الإسلامية وانتقالها إلى عهدة حملتها مع تسجيلها بأسمائهم لدى الجهات المنظمة وضمان عودة حملة تلك الصكوك إلى هذه الأصول، لقد اختلط الأمــر على كثير من عملاء المصارف، حيث تطرح كميات كبيرة من هذه الصكوك الإسلامية وهو ما أدى إلى تضارب الأقوال عن هذه الصكوك، وبالنظر إلى أن حالات التعثر الأخيرة كشفت أن حملة الصكوك لا يملكون حق الرجوع إلى هذه الأصول، الأمر الذي يعني ضياع حقوقهم، فكيف يطالبون بهذه الأصول وهم لا يملكون وثائق موقعة مع جهة الإصدار تثبت ملكيتهم. فإنه يجب على جميع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الإسراع في السعي إلى تحديد ملامح هذه الصكوك الإسلامية بكثير من الدقة وحسم الخلافات الفقهية التي تشوبها، كما يجب إعادة صياغتها من جديد وفق مبادئ الشريعة الإسلامية بحيث تصاغ بالطريقة التي تخدم معظم المصارف والعملاء الذين يتعاملون بها من خلال تطبيقها الشريعة الإسلامية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك الإسلامية وتقيدها بالضوابط الشرعية، لذا يتعين على جميع علماء وفقهاء وخبراء المصرفية الإسلامية والجهات المنظمة والتشريعية أن يبادروا بشكل جماعي بوضع الحلول واللوائح التنظيمية لإصدار هذه الصكوك.

كما ينبغي الإسراع بإنشاء وتأسيس سوق إسلامية موحدة للسندات والصكوك الإسلامية وتهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية لاستيعاب نشاطات هذه السندات والصكوك الإسلامية وإيجاد آلية واضحة للإصدار والإدراج في البورصات المحلية والعالمية، عن طريق إنشاء قسم خاص للسندات والصكوك الإسلامية في هيئة الأوراق المالية في كل أسواق البلاد الإسلامية ليتولى تنظيم عملية الإصدار والإدراج والعمل على تفعيل الجوانب المتعلقة بهذا القطاع كافة، خصوصاً ما يتعلق برفع الوعي لدى المتعاملين بالسندات والصكوك الإسلامية من مصدرين ومتداولين.

لذا نجدها فرصةً جيدةً وعظيمةً أمام المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لتطوير الصكوك الإسلامية وإقرارها عالمياً، لتثبت للجميع أنها ما زالت تحقق نجاحاً كبيراً وأنه لا اعتراض عليها ويجب دعمها وتعزيز مكانتها، ومن الأفضل أن يتم التركيز على وضع المعايير والضوابط الواضحة للصكوك الإسلامية. ولعـله من الضروري أن تتعمق المصارف المصدرة لها في معرفة خصائصها قبل البدء في التعامل بها حتى لا تقع في خلاف شرعي، حيث إن معظم إصدارات الصكوك الإسلامية ربما لا تكون ملتزمة تماماً بالأحكام الشرعية الإسلامية، ولأن الخلاف الشرعي ربما يؤدي إلى أن تحكم المحكمة ببطلان الصك، مما يُضعف الثقة بالهيئات الشرعية وقراراتها، إضافة إلى ابتعاد كثير من المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية في الأسواق الغربية عن التوسع في صناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك لعدم وجود معايير واضحة لهذه الصناعة، حيث أصبح قيامها على اجتهادات وآراء مجموعة من علماء الفقه غير المستقرة، ولا تخضع لهيئة رقابة شرعية واحدة بل متعددة.

نعم هناك بعض الصكوك الإسلامية التي فيها بعض المخالفات الشرعية نتيجة عدم التزام مصدريها بالمعايير الشرعية، لكن ليس كل الصكوك الإسلامية باطلة، حيث إن هناك ضوابط للصكوك الإسلامية بحيث تكون معرفة كما في (كتب الفقه) حسب الآتي: إن الصكوك الإسلامية هي (سندات التزام بمال يمثل قسماً من أصل قائم ويمثل الصك حصة على المشاع من المشروع)، والصكوك هي جمع (صك) ويعني شهادة ائتمانية، والفرق بين (الصكوك الإسلامية) والسندات (الصكوك التقليدية) هو أن (الصك الإسلامي) ملكية شائعة في أصول أو منافع، وبالتالي فهي متوافقة مع القاعدة الاقتصادية الإسلامية التي تحرم الربا المتمثل في ضمان عوائد ثابتة بغض النظر عن الربح أو الخسارة، (فالصكوك الإسلامية) تعطي دخلا لمالكيها مقابل تجارة معينة أو تأجير لأصل أو غيره.

إن الصك هو أداة استثمارية تقوم على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكه فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون له نسبة من الربح إن تحقق من هذا المشروع بقدر ما يملك من الصكوك، إن الصك كالسند ولا فرق بينهما سوى في التسميات فقط، فالواقع أثبت أن الصكوك ينظر إلى حامليها على أساس أن لهم ديناً يستحقونه، ومطالبة حاملي الصكوك بقيمتها، مع أن ذلك ليس من حقهم، فالأصول المكونة للصكوك والهياكل التعاقدية ليست إلا وسيلة مغلفة بغطاء شرعي لنقل الأموال إلى مصدري الصكوك، بل إن السند يعد أقوى مالياً من الصك فهم الدائنون وأصحاب الصكوك شركاء، فمن باب أولى أن الدائن يحصل على دينه، فالصكوك أو ما يعرف بالسندات الإسلامية بصيغتها الحالية، وصاحب الصك ليس له في النهاية إلا رأسماله، حيث يرى البعض أن مُصدر الصك ليس عليه إعادة المال الذي اقترضه من صاحب الصك، وبالتالي فإن أصحاب الصكوك يفضلون اعتبارهم دائنين وليسوا مساهمين.

كما تكمن المشكلة الثانية في أن بعض حملة الصكوك هم من الأجانب وبعض الدول العربية التي لا تسمح للأجانب بتملك الأراضي التي ارتكز إليها إصدار الصك، ما يعني أنهم سيكونون في موقف ضعيف في حالة التعثر، واعتبر عدد من التنفيذيين في المصرفية الإسلامية أن الأسواق العالمية أتعبها الإفراط في المخاطر، مشيرين إلى أنه ينبغي لها أن ترحب بالمعايير الأخلاقية للاستثمار القائمة على التعاليم الأخلاقية مثل الإنصاف والشفافية، كما أشاروا إلى أن الصناعة في حاجة إلى ترتيب بيتها الداخلي من خلال تنظيم وتوحيد الأنظمة التشريعية المبعثرة والخروج بمنتجات جديدة، حيث إن المصرفية الإسلامية تقوم بطبيعة الحال على الالتزام بالأحكام الشرعية في الإسلام، ولا تقبل بفرض الفائدة الربوية، بحيث يجب أن تقوم التعاملات على موجودات ملموسة، حيث إن المضاربات محرمة، وكذلك التعامل في العقود الآجلة، كما أنه لا بد من اقتسام المخاطر.

إن الصناعة المصرفية لا تزال في حاجة إلى مزيد من الانسجام والتوافق ومزيد من الابتكار، وتشكل المصرفية الإسلامية في الوقت الحاضر (2) في المائة فقط من الموجودات المالية العالمية أي نحو (820) مليار دولار لكنها تنمو بمعدل سنوي مقداره (30) في المئة، حيث إن معظم هذا النمو ينشأ في منطقة الخليج العربي وماليزيا التي تعتبر عاصمتها (كوالالمبور) على نطاق واسع المركز التجاري النشط للصناعة المصرفية، كما أن اختيار لندن لاستضافة أهم المؤتمرات الصناعة المصرفية الإسلامية علامة على ارتفاع سمعة العاصمة البريطانية، حيث إن هناك توقعات أن بريطانيا ستصبح أول حكومة غربية تقوم بإصدار صكوك إسلامية.

ولعل دخول السندات والصكوك الإسلامية أسواق الأوراق المالية لبعض الدول الإسلامية يشكل منعطفاً جديداً في مسيرة تطويرها ونمو أسواق السندات والصكوك الإسلامية في المنطقة وتفعيل آليات التعاون والتنسيق بينها لتلعب دوراً مهماً في استقرار العمل المصرفي الإسلامي، كما يجب العمل على تكوين كيانات مصرفية إسلامية عملاقة قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية ومواجهة التحديات المستقبلية الصعبة والسعي إلى إيجاد سوق إسلامية حرة للعالم الإسـلامي تنافس أسواق البنوك التقليدية، حيث إن تطوير هذا القطاع المصرفي لا يزال بحاجة إلى جهود مخلصة من كافة علماء وفقهاء وخبراء المسلمين في سبيل استحداث أدوات ومنتجات مصرفية وتمويلية إسلامية حديثة، ووضع الحلول واللوائح المنظمة لإصدار هذه السندات والصكوك الإسلامية لخدمة المجتمع الإسلامي وكل من يهتم بالفكر المالي الإسلامي لما يتميز به من عدالة ومساهمة واضحة في تحقيق التنمية الدائمة والمتوازنة، والله الموفق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي