نستطيع بناء مساكن لمليوني مواطن من مخصصات الضمان الاجتماعي

نحاول من خلال هذا الطرح مناقشة وعرض حل المنح الجزئية التي تتعلق بركن واحد من أركان الفقر، وهي تملك الأراضي والمراحل التي تمر بها الأرض لتتحول من أرض خام لا تساوي شيئا إلى مخطط تقدر قيمته بمئات الملايين. ولا تخفى العلاقة الوثيقة بين ارتفاع أسعار الأرض، وزيادة الفقر، ومن حكم عليه بالعيش على حدوده، لأن هذه الملايين قد استنزفت دم المواطن وعمره لتوضع أرباحا بيد أفراد أو شركة تدر عليها مئات الملايين تنغص عليها معيشتها فتقضي الليل ساهرة تفكر كيف تستثمر هذه الأرباح في مخطط آخر, مسكينة هذه الشركة وهؤلاء الأفراد، وينام من دفع ماله في قطعة أرض سعيدا كأنه ملك الدنيا.
ما نعنيه بالفقر أو الفقير هو الذي لا يحقق له دخله متطلباته الضرورية التي تناسب مستواه المعيشي الطبيعي يعني أن مصطلح الفقر، وما نقصده يشمل الفقراء والمساكين.
وكمثال مواطن إجمالي دخله الشهري ثلاثة آلاف ريال، وعنده خمسة أطفال يدخل ضمن المحتاجين، ويدخل في دائرة الفقر منجذبا إلى مركزها بقوة لأنه يدفع للسكن 1250 ريالا على أقل تقدير فهل تكفيه البقية الباقية من دخله مصاريف أخرى سيارة، وصيانة أو مواصلات, وملابس المدارس ومصاريفها اليومية الطعام، والشراب، والعلاج، والكهرباء وغيرها بالطبع لا تكفي، وهذا ما أكدته الدولة في مقدار الإعانة التي قدمتها للمواطن عن طريق الضمان الاجتماعي.
إن عدد الأسر التي يشملها الضمان الاجتماعي أكثر من نصف مليون أسرة نحو 650 ألفا، وبذلك يبلغ عدد الفقراء فقط ممن يشملهم الضمان الاجتماعي أكثر من مليونين ونصف المليون على فرض أن متوسط عدد أفراد الأسرة أربعة فقط وهذه الفرضية متحفظة.
وعلى فرض أن هناك ربع مليون أسرة لا تستطيع الوصول للجهات المختصة أو هي بعيدة أو لغير ذلك من الأسباب، وخلاصة الاستنتاجات والاستدلالات يوجد في المملكة أكثر من ثلاثة ملايين فقير بالحجة والبرهان لمن يرفض الاعتراف من بعض إخواننا الكرام, فأين نحن من الدنيا، ومن الأرض التي نعيش عليها؟ أين يعيش من يقول لا يوجد فقراء على أرضنا الغالية؟ (ولا أقصد غلاء سعر متر الأرض). وهذه الحسابات البسيطة بالطبع لا تشمل من لا يكفيه دخله، ومن عليه ديون، والعاطلين، ومن يتلقى مساعدات من أهله وغيرهم.
إننا نتكلم عن بلدنا الحبيبة السعودية الدولة الغنية نتكلم عن دولتنا الكبيرة العظيمة ونتكلم عن معيشة مدنية متقدمة, على أرضها ناطحات سحاب، وصلت إلى مستوى، وتحاول أن ترقي بالمواطن إلى أعلى مستوى من التعليم والتحضر والمدنية ولا تطلب من المواطن العودة إلى الخلف وإلى قسوة العيش، بل تدفعه إلى الأمام وتسعى إلى رفاهيته، وتهيئة أقل متطلبات الحياة لكل مواطن. وما يعنينا ونقصده هنا، وبشكل خاص هو السكن والأرض، وما يتعلق بهما لما لهما من أهمية بلا شك في حياتنا. فلو استطعنا توفير السكن للمواطن، وإذا كان يملك دخلا يمكن وقتها ووقتها فقط أن نطلب منه، وعلى استحياء تكييف معيشته بقدر دخله (مد رجلك على قد فراشك).
وإننا على يقين تام بأن الدولة مدركة لحجم المشكلة وتبذل كل ما في وسعها لحلها وإننا على يقين أكبر بأن ما لدينا من أراض ومدخرات أكثر من كاف لحل المشكلة ولكن عدم اختيار الحلول السليمة من بعض الجهات ذات العلاقة المباشرة نتج عنه ما نراه من تخبط وعدم التوازن أرضا وسكنا.
دليل بسيط على هذا التخبط وهذا التناقض ما يلي:
مصروفات الضمان الاجتماعي تكفي لبناء سكن لأكثر من مليون و نصف المليون مواطن:
تنفق الدولة أكثر من عشرة مليارات سنويا مخصصات للضمان الاجتماعي ينفق مستحقوها أكثر من نصفها تقريبا إيجارا للسكن، بينما يمكن ترتيب هذه النفقات والبالغة خمسة مليارات وأكثر لبناء وحدات سكنية وتوزيعها على مستحقي الضمان وتغطية التكلفة لهذه الوحدات نحو 30 أو 40 مليارا من ميزانية عامين (أو من عدة جهات أخرى ولا نستطيع الإطالة أكثر في تفاصيل جميع النقاط) ونكون قد وفرنا سكنا لما يقارب مليوني مواطن بعد عامين، ونوفر بعد 15 عاما أو أقل (مدة التسديد) مبلغ خمسة مليارات ريال سنويا لميزانية الدولة.
إن ما يحدث هنا ينطبق تماما عليه مثل الرجل الذي يملك مليون ريال ويدفع إيجارا سنويا 50 ألف ريال في بيت قيمة شرائه نصف مليون, فبعد عشر سنوات يكون قد أنفق على الإيجار نصف مليون ولو أنه اشترى السكن لوفر نصف المليون، هذا التصرف ينتقده الجميع و غير مقبول من فرد قد لا يملك أي نوع من القدرة على التخطيط أو النظرة البعيدة والأهم أنه يتصرف في ماله الخاص وقد لا يترتب على هذه التصرفات ضرر للمجتمع.
فكيف وماذا يمكن أن تقول إذا كان هذا ما تصنعه جهة رسمية أنشئت لمساعدة الفقراء، وأعتذر بشدة عن الجملة التي أجد نفسي غير قادر على أن أسرها في نفسي، أين نحن من التخطيط و الاقتصاد و حسن التصرف وأين الاقتصاد منا؟
بعد ما تقدم نود الخوض في تفاصيل من واقعنا المرير وما يحدث للأرض الخام للأسف الشديد:

تكلفة تجهيز المخططات

تمر قطعة الأرض الخام بعدة مراحل قبل جاهزيتها للبيع بعد تخطيطها وتقسيمها وعمل تصريف أمطار السيول والصرف الصحي والرصف والسفلتة والإنارة وغيرها وما قد يسمى بالبنية التحتية.
وما يهمنا هنا تعريف البعيد عن أمور كهذه بمقدار المبالغ التي تصرف على هذه الأعمال ونوضح ذلك لأرض مخطط كعينة فيما يلي:
تجهيز المتر الخام بـ 65 ريالا
لو فرضنا الأرض أن الخام مليون متر مربع ما يساوي كيلو متراً مربعاً ونسبة المساحة المختزلة للشوارع والتنظيم 35 في المائة فإن تكلفة التجهيزات السابقة لن تزيد على 40 ألف ريال لقطعة الأرض الواحدة ما لا يزيد على 40 مليون ريال لكامل المخطط على فرض مساحة القطعة 600 متر مربع, وهذه الأرقام ليست ارتجالية ولكنها تمثل حقيقة الواقع حسابيا وتطبيقيا يعرفه أصحاب الاختصاص ولسنا بحاجة للخوض في التفاصيل فما يهمنا النتائج, ما يعني أن تكلفة المتر 65 ريالا تقريبا.
وهذا المبلغ هو ما يهمنا فكيف تسمح الجهات المختصة (ولا توجد حاليا حسب علم الجميع أي جهة مختصة, أي كيف تسمح الجهات المختصة بعدم وجود جهة مختصة) ببيع أرض تكلفة تجهيز مترها 70 ريالا على أكثر تقدير كيف يسمح ببيعها بثلاثة أضعاف أو أربعة وفي أغلب الأحيان يدفع المواطن عشرة أضعاف هذا السعر ويوضع المواطن في ظروف تجعل البعض منهم يشعر بالأسى والحزن إذا لم يتمكن من الشراء و بهذا السعر المرتفع فغدا أو بعد غد سيرتفع السعر فما بيده حيلة وليس أمامه خيار, فلا وجود للرقيب.
وبالتأكيد لم تتم مراعاة سعر شراء الأرض الخام و المفاجأة هي:
سعر متر الأرض الخام ما بين خمسة ريالات و20 ريالا على أعلى تقدير:
إن سعر شراء الأرض يمكن أن يُتجاهل إذا كانت الأرض على أطراف نهاية العمران وداخل النطاق العمراني فقبل عشر سنوات أو ثماني سنوات أو حتى ست سنوات في بعض المدن كان سعر الكيلو متر المربع يراوح بين مليونين وعشرة ملايين ريال.
وحتى بعد إضافة سعر الأرض خمسة ريالات أو 20 ريالا لا نزال بعيدا عن خط الـ 100 ريال وللمواطن ومن حقه أن يسأل كيف يسمح ببيع المتر بمئات الريالات, خمسة وستة وسبعة وعشرة أضعاف بعد ما تجنيه الأسماك الصغيرة مما تركته لها الهوامير.
ومن حقه أن يكرر السؤال من يحميني من هذا الطوفان الذي امتد ليوسع دائرة الفقر دون أن نشعر فمن كان بإمكانه شراء أرض والبناء عليها, فيلا صغيرة إجمالي مساحتها أقل من 300 متر مربع قبل خمس سنوات مثلا أصبح اليوم المبلغ الذي يملكه نصف مليون تقريبا لا يوفر له قيمة شراء أرض فضعفت القيمة الشرائية لما يملك من مال وانتقل إلى فئة المحتاجين ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كيف يتم بيع المخططات؟

لا يوجد نظام معروف للكيفية التي يتم بها عرض بضاعة الأراضي في السوق والجهة التي تملك المخطط هي التي تحدد السعر وتحدد الزمان ووقت البيع، وتحدد ما يباع وما لا يباع ووقت بيع ما لا يعرض للبيع، كما تحدد من يشتري بعض القطع أو ما تسميه بالبلوكات، وتحدد طريقة البيع وكيفية الإفراغ ليتم التلاعب ورفع الأسعار.
والسؤال هو ماذا أبقت الجهة التي تملك المخطط للدولة؟
وهناك تنظيمات عامة ويدخل ضمنها:
الأمور الشرعية التي تضمن للمشتري امتلاك الأرض بصفة رسمية وتحفظ له حقوقه ولا ننكر اهتمام المخلصين وحرصهم على حفظ الحقوق.
تعليمات البلديات أو الوزارة الخاصة بالأمور التنظيمية والشروط والمواصفات الواجب توافرها وتحقيقها ليسمح بالبيع والإفراغ وهذه التعليمات معنية مباشرة بالخدمات والتجهيزات ولا ينكر أهمية ذلك دون الخوض في تفاصيل ما ينفذ وما لا ينفذ.

الأسعار ومن يفرضها
ويتحكم بها

لا مكان لأي جهة رسمية لتحديد السعر ومتابعة الالتزام به، بل لا توجد جهة رسمية تفرض أو تقترح أو حتى تناقش الأسعار.
فالطبيعي والمفروض وجود جهة رسمية تحدد الأسعار, لا سعرا تقدمه الشركة وتتحكم فيه فتعرض على المواطن المضطر السعر الذي تريده وتتكلم عن أسعار تراوح ما بين 800 ريال و1500 ريال للمتر المربع أي أن قطعة الأرض يتراوح سعرها ما بين 400 ألف إلى مليون ريال والحقيقة أننا نجد السعر يتراوح ما بين 500 ألف والمليون ريال للأرض التي تبلغ مساحتها 500 متر مربع تقريبا وهذه الأسعار، كما يقال أسعار شركة تقوم بطرحها أولا ثم يبدأ مسلسل رفع الأسعار الذي يعرفه كل صغير وكبير لأنها أصبحت لعبة مكشوفة يعرض في المسلسلات التلفزيونية ويكتب عنه الكثير وما من حيلة بيد المواطن أمام هذه اللعبة التي يراها أمامه لرفع الأسعار وهي مؤامرة وليست لعبة، ذلك إضافة إلى أن الشركات (مستثمرة هذه الأرض) تحتفظ بالمواقع المميزة على شوارع تجارية كما يقال إن وجدت أو بالأصح هكذا سميت لتتضاعف أسعارها وترفع أسعار القطع القريبة منها وتصبح حكرا على فئة معينة وتحرم المحتاج الحقيقي للسكن.

نظرة تحليلية

لما يحدث على فرضية أن المخطط فيه ألف قطعة أرض إذا كانت المساحة الإجمالية لأرض المخطط مليون متر مربع كما سبق.
وعلى هذا الفرضية وباستخدام أقل الآلات الحاسبة سعرا وأقلها تطورا فإن عائد مبيعات الشركة المستثمرة أو صاحب المخطط يراوح ما بين 500 مليون إلى ألف مليون وبعد خصم المبالغ المصروفة على تجهيز المخطط والخدمات الأخرى (التي من المفترض أن تكون قد نفذت) وخصم قيمة الأرض الخام على فرضية أنه تم شراؤها فإن صافي أرباح هذا المخطط يتراوح ما بين 450 مليون وألف مليون.
أي نصف مليار إلى المليار ريال تقريبا, مقابل ماذا؟ نعم مقابل ماذا؟
أرباح المليار ريال مقابل ماذا؟
الأرض إما أنها منحة من الدولة الهدف منها نفع المواطن بعمل مخططات أو مساكن ثم بيعت أرضا خاما بأرخص الأثمان، ولكن هل حققت الهدف الذي منحت من أجله؟
أو أنها أرض ميتة ملكت بطريقة شرعية لمن أحياها أو غير ذلك وتم بيعها أرضا خاما ولا نريد أن نخوض فيما ليس لنا به علم وإنما كل ما نعرفه هو ما يحدث أمام أعين الجميع ويستطيع طالب مدرسة ابتدائي القيام بعملياته الحسابات السابقة إذا طلب منه في مسألة رياضية بسيطة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي