تجارة العالم .. بين الهدوء والارتباك

المواجهة التجارية الراهنة مع الصين، غير مستدامة
سكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكية

لا بد من الاعتراف، أن الجانب الأمريكي يميل (حالياً على الأقل)، نحو الطمأنة، بشأن المعارك التجارية الراهنة مع أغلبية الدول. صحيح أن شيئاً لم يحدث على صعيد الحلول التي ينظرها العالم، لكن توجه إدارة الرئيس دونالد ترمب، دخل في مسار التهدئة، حتى مع الجانب الصيني، الذي يعد الهدف الأول لموجة التعريفات الجمركية. البيت الأبيض يريد حقاً عقد أفضل الصفقات للولايات المتحدة، لكن ذلك ليس بالأمر السهل، إذا ما أبقى سقف التعريفات على حاله في أي مفاوضات أو تفاهمات، سواء تلك التي تجري حالياً بالفعل، أو التي لا بد أن تجري قبل انقضاء فترة تجميد الرسوم الإضافية البالغة 90 يوماً. إستراتيجية ترمب التقليدية معروفة للجميع، وهي "ارفع السقف لتحصل على أفضل صفقة".
في هذه الأثناء، يمر الاقتصاد العالمي بفترة متضاربة إن جاز القول. فهي هادئة بفعل الـ 90 يوماً، وتشهد مفاوضات، ويعمها الترقب، ويسودها الارتباك، إلى جانب حالة من التفاقم على "الجبهة" الصينية الأمريكية، بصرف النظر عن التطمينات الأمريكية، التي لا تزال تتسم بأنها صوتية، أكثر من كونها حقيقية. في هذه الفترة، اضطربت بالطبع إستراتيجيات البنوك المركزية، التي تسعى قبل اندلاع المواجهات التجارية، من أجل تخفيض ما أمكن من أسعار الفائدة، لدفع النمو الاقتصادي، خصوصاً في الاقتصادات التي تعاني أساساً انخفاضا كبيرا للنمو، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي واليابان وحتى الصين. ناهيك عن المشكلات التي قد تتعاظم فيها يرتبط بسلاسل التوريد، بعد سنوات من الأمات التي مرت بها، منذ مطلع العقد الحالي.
أي جولة جديدة من الرسوم الجمركية، تعني اقتراب الدول المعنية مباشرة فيها، من حافة الركود التضخمي. فمن المتوقع، أن تشمل أشباه الموصلات، والأجهزة الطبية والأدوية. لذلك الأمل (كل الأمل) بتفاهمات تكفل عدم تفاقم المواجهات التجارية، وتحولها إلى حرب مفتوحة، لا يقدر الاقتصاد العالمي على تكاليفها بالفعل، ولا سيما في فترة التعافي التي لا يزال يمر بها. والمشكلة لا تتعلق فقط في الاقتصادات التي استهدفها ترمب بتعريفاته، بل تشمل أيضاً الاقتصاد الأمريكي، الذي يخشى المشرعون فيه من ارتفاع التضخم، وتراجع النمو، وزيادة البطالة. صحيح أن البيت الأبيض يعول على الوقت لكي "يجني" عوائد التعريفات الجديدة، لكن الصحيح أيضاً، أن اقتصاد الولايات لا يتحمل ذلك، كما أنه ليس مضموناً أن تتحقق هذه العوائد، في ظل حرب تجارية مفتوحة.
ستنمو الاقتصادات حول العالم، بصورة أبطأ، مما كانت ستنمو به من غير التعريفات. هذا الاستنتاج توصلت إليه منظمة التجارة العالمية، التي يرى الرئيس الأمريكي فيها أداة ظالمة تجارياً لبلاده. لكن في الواقع، لو استمر الحال على ما هو عليه، سينكمش إجمالي التجارة العالمية بنسبة 0.2 % هذا العام، بينما تشير التوقعات (قبل التعريفات) إلى نمو يبلغ 2.7%. وهذا يعني تخفيضاً لتوقعات نمو الاقتصاد العالمي الذي سيسجل (في ظل التعريفات) 2.2%، في كان الحديث يدور حول نمو بمعدل 2.8%. الصادرات نحو الولايات المتحدة ستنكمش بالتأكيد، وسترتفع أسعار المستهلك في البر الأمريكي بصورة طبيعية. بمعنى آخر، لا رابح في هذه الحرب، أو أي حرب تجارية أخرى.
في هذه الفترة المرتبكة، ليس هناك من مخرج سوى المفاوضات المباشرة، التي لا بد أن تفضي لنتائج حقيقية. فالتطمينات التي لا تستند إلى ما هو موجود على الأقل. لن تقلل من حالة عدم اليقين التي تسود الساحة الدولية حالياً. المؤكد أن الاقتصاد العالمي ليس في وضعية تمكنه من مواجهة انهيار جديد، بعد سلسلة من المصاعب والأزمات مر بها منذ مطلع العقد الثاني من الألفية الحالية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي