نمو الاقتصاد العالمي بين الأمل والخوف
حمل الربع من عام 2010 عديدا من المؤشرات على عودة الثقة, أو لنسمها ارتفاع معدل الثقة بعودة الاقتصاد العالمي إلى التعافي والنمو, وحمل الربع الأول عديدا من الأخبار المتفائلة فيما يتعلق ببعض المشكلات والتحديات التي كانت تمثل هاجسا كبيرا للمتابعين لما يمكن أن تحمله تبعاتها أو الفشل في حلها على الاقتصادات الإقليمية وعليه على الاقتصاد العالمي, وكان لتلك الأخبار المتفائلة انعكاس إيجابي على معظم الأسواق العالمية, التي منها ارتفاع مؤشر أسواق المال الأمريكية لخمسة أسابيع متتالية كانعكاس لبعض مؤشرات الثقة بالتعافي, حيث أغلق «داو جونز» ومؤشر إس آند بي 500 على أعلى مستوى منذ أكثر من عام ونصف العام, ولعل هذا يعطي انطباعا مبدئيا على عودة الثقة. كذلك فإن ارتفاع أسعار البترول بشكل كبير عما كنت عليه منذ عام 2008 يعطي انطباعا آخر على زيادة الطلب العالمي وزيادة الطاقة التصنيعية للدول الصناعية, وهو مؤشر تعاف مهم. حيث تشير تقارير العمليات الصناعية الأمريكية إلى ارتفاع مؤشر الصناعة للشهر الثامن على التوالي, كذلك فإن ذلك يبدو بصورة أكبر في الاتحاد الأوروبي الذي استفاد القطاع الصناعي فيه بشكل كبير نتيجة لانخفاض اليورو أمام الدولار الأمريكي نتيجة الأزمة اليونانية بنسبة 7.6 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية, ما أعطي دفعة قوية للصادرات الأوروبية وعليه ارتفاع القدرة التصنيعية في دول اليورو. إضافة إلى استمرار النمو في الاقتصاد الصيني الذي يتوقع المراقبون عودته إلى تخطي حاجز 10 في المائة خلال هذا العام.
وبإلقاء نظرة سريعة على الربع الأول من العام الذي شهد في بدايته عديدا من الأحداث التي سببت كثيرا من القلق للمتابعين, سنجد أن هناك بعض المؤشرات التي أرى أنها أعطت كثيرا من الثقة والتفاؤل ومنها على سبيل المثال, نجاح الاتحاد الأوروبي في إيجاد حلول لأزمة اليونان بمشاركة صندوق النقد الدولي أعطى انعكاسا كبيرا على أسواق العالم, وهي التي كانت تمثل مصدر القلق الأول للجميع منذ بداية العام. كذلك فإن تقارير الوظائف الأمريكية لشهر آذار (مارس) أظهر ارتفاعا للمرة الثالثة خلال الأشهر الخمسة الماضية بنسبة ارتفاع كبيرة خلال السنتين الماضيتين, وهو ما أعطى مؤشرات ثقة جديدة على التعافي. إقليميا، فإن الحديث عن خطة هيكلة ديون دبي العالمية خلال الأسبوع الماضي حسن كثيرا من المزاج الاقتصادي الإقليمي, وهو ما انعكس على الأسواق المالية بشكل كبير. من جانب آخر فإن الأخبار أو الضغوط الكبيرة التي تمارسها الولايات المتحدة على الصين لرفع قيمة اليوان مقابل الدولار أعطى نبضا جديدا من التفاؤل في حلقة التجارة الدولية وانعكاسها على الاقتصادات المختلفة.
كان هذا جانب التفاؤل, لكن هناك تحديات تواجه هذا التفاؤل وهذا النمو, وهو أمر يجب أخذه في الاعتبار كي يكون الحذر من الإفراط في التفاؤل موجودا. وللعودة إلى آخر نقاط التفاؤل الماضية فيما يخص رفع قيمة اليوان أمام الدولار, وهو أمر تحاول الصين اقتصاديا وسياسيا محاربته, قد يكون له انعكاس سلبي على ما حمله من تفاؤل وربما يزعزع الثقة مجددا إذا كانت هناك مواجهة أخرى بين أمريكا والصين في هذا الخصوص. كذلك فإن من التحديات الأخرى التي تواجه تفاؤل الاتحاد الأوروبي عقب حلول أزمة اليونان ظهور يونان جديد, خصوصا هناك دول أخرى تواجه أزمة مشابهة كالبرتغال وإيطاليا وحتى إسبانيا, وإذا ما ظهرت أزمة أخرى على السطح فإنها بلا شك ستنسف التفاؤل الذي ظهر بعد حل أزمة اليونان. إضافة إلى ذلك فإن الخوف من إفلاس شركات جديدة هي أزمة ديون جديدة، خوف لا يزال مقبولا. نقطة أخيرة على الجانب الجيوسياسي، أرى أنها ربما تحمل انعكاسا على الاقتصاد العالمي, وهو الملف الإيراني الذي يبدو أن هناك إجماعا من الدول الكبرى على ضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لإيران، وهذا ربما ينتج عنه ردة فعل غير محسوبة أو غير محببة اقتصاديا.