نحو العالم الأول ..«نعم نقدر»
قبل سنتين ونيف طرح الأمير خالد الفيصل شعار ''نحو العالم الأول'' في مشروع استراتيجية التنمية في منطقة مكة المكرمة, وأعجبني ذلك الاسم والطموح والعمل الدؤوب للوصول إلى هدف الشعار. ولعلي اليوم أجد نفسي مسيراً لطرحه شعارا للوطن ونبراسا لطريق التقدم على جميع المستويات, خصوصا نحن نعيش حقبة تاريخية من الإصلاح والانفتاح والنمو لا أرى أنها مرت خلال تاريخ المملكة العربية السعودية, لذلك فإن التفاؤل بنجاحنا في الوصول إلى العالم الأول منطقي جداً ويملك جميع الحوافز الزمانية والمكانية والبشرية للوصول إلى الهدف المنشود, ''نعم نقدر'' .. لكن!
وبنظرة سريعة إلى ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية, فإننا شاهدنا كثيرا من التشريعات الإصلاحية التي تضع الأسس القانونية والنظامية لتحركات الإصلاح السياسي والاقتصادي من تأسيس هيئة البيعة لتثبت الاطمئنان لاستقرار الحكم في العائلة المالكة, والدخول إلى قائمة العشرين دولة الأكثر تأثيرا في العالم, والتوجه السياسي المهم في توطيد وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية مع عديد من دول العالم, والزيارات الكثيرة والمهمة التي قام بها خادم الحرمين إلى تلك الدول, ميزانيات تاريخية كل عام وإنفاق حكومي غير مسبوق على أهم القطاعات الحيوية ذات العلاقة بالمواطن, تأسيس وتطوير النظم الاقتصادية من تحديث نظام القضاء ونظام ديوان المظالم وتخصيص سبعة مليارات ريال لتطوير السلك القضائي والرقي به, وإنشاء عدد من الهيئات والإدارات الحكومية والجمعيات الأهلية مثل الهيئة الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد والهيئة العامة للإسكان وغيرها. نعيش انتعاشا اقتصاديا غير مسبوق ومشاريع بنية تحتية عملاقة, ومشاريع تطويرية خلاقة, تطور تعليمي غير مسبوق على جميع المستويات بدءا بمشروع الملك عبد لله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام ومرورا بالجامعات, فبعد أن كانت الجامعات بعدد أصابع اليد الواحدة أصبحت جامعات في كل المناطق منها جامعة بمرتبة موسوعة للمستقبل, جيل جديد من الشباب المتعلم المؤهل المنفتح على الحوار والتطوير والنقد الإيجابي, مدن اقتصادية وصناعية في أنحاء المملكة, وارتفاع ملحوظ في القدرات التنافسية والمميزات النسبية, وأخيرا وليس آخرا مدينة للطاقة الذرية والمتجددة لتضعنا على الطريق الذري أيا كانت أسماؤه. هذا ما استطعت كتابته في أسطر قليلة وأعلم أنني أحتاج إلى مجلدات لرصد وتفصيل ما حدث ويحدث في مملكتنا الغالية خلال خمس سنوات من تطورات تعادل في إنجازاتها 50 سنة لغيرنا.
نعم, نحن نعمل على الطريق الصحيح, وأعلم كما يعلم الجميع حرص القيادة على الوصول إلى الأهداف, ولذلك فإننا كنا وما زلنا نرى القوة الكبيرة في تسريع عمليات الإصلاح على جميع الأصعدة, والتوجيهات الشفافة والصادقة من خادم الحرمين في مناسبات كثيرة للوزراء ورجال الأعمال وموظفي الدولة في الداخل والخارج والمواطنين. لكن هل نحن فعلا نسير وفق ما خططنا وحلمنا؟ هل نحن جميعاً نسير بالسرعة والحماس نفسيهما اللذين تسير بهما القيادة؟
الجواب بين نعم ولا!! فهناك كثير من القضايا والأفراد والجماعات الذين يسيرون بعكس تيار الطموح الوطني, وكثير ممن يغلبون المصالح الشخصية على حساب مستقبل الوطن وأبنائه. هذه حقيقة لا نستطيع إنكارها، ولا يجب علينا إنكارها كي لا نعطي المجال لمتسلقين جدد وبراعم الفاسدين أن تشب وتشيب على حس الفساد وعلى صوت الإحباط وعلى موشحات الانهزامية والنفاق.
''نعم نقدر'' على الوصول إلى العالم الأول, لكن يجب أن يكون هذا من خلال تفعيل الأدوار الداخلية للمتابعة والمراقبة ومن خلال نظام حقيقي يكبح الفساد ويعاقب الفاسدين ولا يكافئهم. ''نعم نقدر'' لكن من خلال التجديد في الدماء وإعطاء القدرات الشابة دورها في القيادة وسط نظام حقيقي يقوم على مبدأ الثواب والعقاب على أساس النتائج وليس على أساس المصالح وتقاطع المصالح, وعندها تصبح النزاهة والعمل والجهد ثقافة مجتمع كامل, لا تستطيع قوى الفساد والنفاق العمل داخل منظومة تكشف الفساد قبل ولادته.