طلب مهاجرين أم طلب مجندين؟
لفت نظري مرارا طوابير المواطنين المصريين أمام السفارة الأمريكية ويحلم الجميع بالهجرة إلى بلاد الحلم الأمريكي، حيث يتحقق لهم ما يرونه على شاشة التلفاز والسينما من قصور وفيلات ومسابح ومدن فخمة ومحال مذهلة وشوارع مبهرة وجامعات متطورة ومطاعم أخاذة – دون أن يفكر أحدهم في السبيل إلى ذلك، ودون أن يعيش بعقله مع المطلوب منه ليحقق بعضا من هذه الأحلام .
وإلى جانب جموع الحالمين بالهجرة، الذين تأسست من أجلهم المكاتب وأثرى من ورائهم المحامون يأتي هذا الإعلان:
“يمنح برنامج يانصيب تأشيرة التنوع 50 ألف تأشيرة للأشخاص من جميع أنحاء العالم، ويتسلم جميع الفائزين وعددهم 50 ألف فائز بطاقة خضراء Green Card أمريكية بمنحهم وأسرهم فرصة العيش والعمل في الولايات المتحدة. مع فرصة مضاعفة للمتزوجين للفوز بالبطاقة الخضراء الأمريكية”.
وهو إعلان واضح لا لبس فيه يمنح الفرصة لأبناء الدول الأخرى لتهرع إلى أمريكا.
وقد استفاد من هذه البرامج عدد من معارفي وبعض أصدقائي الذين عاشوا يحلمون طويلا بالعيش في أمريكا. وقد دقت هذه الإعلانات وطوابير الراغبين في السفر أجراسا متنوعة لدي وأيقظت بعض الإجابات عن تساؤلات قديمة.
أول هذه الأجراس ما قاله لي صديق رأى بنفسه بعض كتائب الجيش الأمريكي التي أسهمت في تحرير الكويت ثم غزو العراق، وأعرب عن اندهاشه للأعداد الكبيرة من اللبنانيين والمصريين وغيرهم من العرب الذين يخدمون تحت العلم الأمريكي.
الجرس الثاني هو ما عرفته من زملائي المذيعين وزميلاتي المذيعات الذين أُعيروا للعمل في “صوت أمريكا”، وبطبيعة الحال اصطحبوا عائلاتهم، وكان من أفراد العائلة بعض الأطفال، الذين نشأوا وترعرعوا في الولايات المتحدة وأصبحوا أكثر أمريكية من الأمريكيين. لاحظت أن كل هؤلاء الأبناء يعملون في القوات المسلحة الأمريكية بمسمياتها المختلفة: الجيش والمارينز والطيران.
أما الجرس الثالث فهو ما أبلغني إياه واحد ممن خاضوا التجربة، وكيف أن أهم التعهدات والعهود التي يوقعها المهاجر الجديد هي خدمة القوات المسلحة، حيث يعد الامتناع عنها رجسا من عمل الشيطان ومصيبة ما بعدها مصيبة تحتم الطرد وإلغاء الجنسية والإبعاد عن أرض العم سام، مما يؤكد صدق ظنوننا المتواضعة وهي أن تلك القنوات المشرعة والمفتوحة لاستقبال المهاجرين ما هي إلا ساحات تجنيد لتغذية القوات الأمريكية بما يُعرف بوقود المعارك War-Fodder لأن القوانين التي وضعها البيض البروتستانت والأنجلوساكسون WASPS تعطي مرونة لسلالاتهم للرفض والقبول والتطوع أو البعد، أما المهاجر فهو أعمى لا حول له ولا قوة، فيجرى الدفع به قبل أن يفيق إلى سلاح من الأسلحة وربطه بعقود عسكرية صارمة حتى الموت أو العودة الغانمة بعد عمر طويل.
كنت أندهش كثيرا لهذا الكرم الأمريكي في منح البطاقة الخضراء، وأندهش أكثر من الزعم بأنها عشوائية على نظام اللوتري أو القرعة، ذلك لأن كل من ظفروا بالغنيمة كانوا من ذوي الأبناء الذكور “أو الجنود المحتملين” وهذه مسألة سجلتها ثلاث حوادث على الأقل، الأول لديه أربعة أبناء، والثاني ثلاثة أبناء (ذكور أيضا) والثالث أربعة أبناء وفتاة واحدة. ولا شك أنهم ينعمون جميعا بارتداء الملابس العسكرية الأمريكية أو أنهم سافروا بالفعل إلى أفغانستان (أو باكستان) أو العراق (أو حولها) أو ألمانيا في فيسبادن أو المحيط الهادئ قرب كوريا الجنوبية واليابان.
فالجيش الأمريكي والمارينز والبحرية والطيران تمثل 3.75 مليون مقاتل وتحتاج أمريكا إلى مليون أخرى لتحفظ “الأمن” على طريقتها في مواقع أخرى تستهدفها بالغزو. وحتى تسكت أصوات المعارضة ويخرس أعضاء الشيوخ والنواب في الكونجرس، فالمهاجرون الحالمون حاضرون لسد الثغرات وملء الصفوف والرواتب مغرية والجنسية حلم الكثيرين. شرح لي ذلك سر تقاعس أمريكا عن تنمية عشرات الدول التي تستحق التنمية، فهي تريدها دائما بلادا طاردة للبشر حتى تتلقفهم هي، وهي لم تعوض أي إفريقي عن موت 70 مليون أسود على أراضيها من أجل زراعتها واقتصادها، ولم تعوض أي دولة، فيما عدا إسرائيل عن أي شيء، بل لقد أجمع خبراء التنمية على أن الولايات المتحدة قادرة من خلال المعرفة والخبرات أن تفيد دولا كثيرة لتحقيق الرخاء الزراعي والصناعي، ولكنها لا تفعل ليظل الحال على ما هو عليه ويبقى المجيء إلى الولايات المتحدة حلما مهما.
والمراقب للمعونة الأمريكية يلاحظ أنها تتوجه إما لتقليل سكان بلد قد يُمثل سكانه خطرا على ربيبتها إسرائيل، وإما لإيجاد فرص عمل لشركات أمريكية. وقد لاحظ الخبثاء أن مذبحة الطيور التي أودت بمعظم الثروة المصرية من الدواجن، لم تؤثر في المحلات الأمريكية التي تبيع الدجاج والتي لم يجرؤ أحد على التفتيش عليها. ولا عجب فيما تفعله الولايات المتحدة بتحويل المهاجرين إلى مجندين بعدما عرفنا أن الجيوش اليونانية تحت قيادة الإسكندر الأكبر والرومانية تحت قيادة يوليوس قيصر وخلفائه والجيوش المصرية القديمة قبلها كان القطاع الأكبر منها يتكون من المرتزقة . بل إن أشرس الفرق الفرنسية العسكرية كانت الفرقة الأجنبية وكلها من المرتزقة. والجميع يعلم أن بريطانيا ذات الـ 16 مليون نسمة احتلت معظم دول العالم وكان جيشها يربو على ثلاثة ملايين، 90 في المائة منهم من المقهورين من أبناء المستعمرات أو المرتزقة .
كل ما أرجوه أن يقرأ الحالمون الإعلان وفي ذهنهم البزة العسكرية والرشاش الأمريكي والحاملات العملاقة، بل عليه أن يفكر في أكياس البلاستيك التي تحمل جثته إذا مات.