هيئة للأوقاف .. خطوة في الاتجاه الصحيح
أقر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 26 نيسان (أبريل) 2010، إنشاء هيئة عامة للأوقاف تتمتع بشخصية اعتبارية تسمى بـ "الهيئة العامة للأوقاف".
من بين أبرز مهام ومسؤوليات الهيئة العامة للأوقاف، وفقما أشار إلى ذلك قرار مجلس الوزراء: (1) تولي اقتراح الخطط والسياسات العامة، والأنظمة المتعلقة بنشاط الأوقاف، وتنفيذها بعد إقرارها ومراجعتها وتقويمها والعمل على تطويرها وتحديثها. (2) إدارة الأوقاف، التي تكون الهيئة ناظرة عليها، واستثمارها على أسس اقتصادية، وبأساليب تجارية، بقصد حفظها وتنميتها. (3) حصر الأموال الموقوفة وتسجيلها، باستخدام أفضل الأساليب والنظم التقنية المتاحة، بما في ذلك إنشاء قاعدة بيانات للأوقاف. (4) المحافظة على أعيان الأوقاف، التي تكون الهيئة ناظرة عليها، وصيانتها ومنع أي تعد عليها.
تضمن القرار أيضاً إلغاء وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف، ونقل المهمات المتعلقة بالأوقاف من الوزارة ومن مجلس الأوقاف الأعلى والمجالس الفرعية إلى الهيئة العامة للأوقاف، وذلك بعد أن تباشر الهيئة مهماتها ويشكل مجلس إدارتها، وأن يكون للهيئة مجلس إدارة برئاسة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وعضوية ممثلين لعدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية، وأخيراً أن يكون للهيئة محافظ بالمرتبة الممتازة يعين بأمر ملكي.
إن إنشاء هيئة عامة للأوقاف بشخصية اعتبارية مستقلة، يعد خطوة ممتازة على المسار الصحيح للمحافظة على الأصول الموقوفة في السعودية، لا سيما أن من بين مهام ومسؤوليات الهيئة، حصر الأموال الموقوفة وتسجيلها، باستخدام أفضل أساليب العصر التقنية، بما في ذلك إنشاء قاعدة للبيانات الخاصة بالأصول الموقفة، ما سيمكن القائمين على إدارة الأوقاف، من تتبع السجل التاريخي للأصول الموقوفة بيسر وسهولة، وبالذات في وضع مثل جغرافية السعودية الشاسعة والمترامية الأطراف، وانتشار الأوقاف في جميع مناطقها، ومحافظاتها، ومدنها، نتيجة حب الناس لفعل الخير، وباعتبار أن الوقف نوع من أنواع الصدقة الجارية، وسنة من السنن، التي سنها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم نافع ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". إن إنشاء هيئة عامة للأوقاف، سيساعد على الارتقاء بالعمل الوقفي في المملكة، لكونه سيدار بأسلوب مؤسسي محترف، يعمل على التعزيز من قيمة العوائد الاقتصادية والمالية للوقف، ما سيساعد على تعظيم المنافع والفوائد، بما في ذلك العوائد المترتبة على الوقف، الذي بدوره سيمكن من استخدام ذلك الريع الناتج عن حبس الأصل، للإنفاق على أوجه خير متعددة، وهذا سيعظم من منافع وفوائد تلك العوائد، إضافة إلى التعزيز من القيمة الاقتصادية للأصل الموقوف.
إنشاء هيئة عامة للأوقاف، يعول عليها أن تحسن من الوعي لدى عامة الناس من خلال التعريف برسالة الوقف وأهدافه، بما في ذلك مقاصده الدينية والدنيوية، لا سيما أن دراسة قد أجريت في إحدى الدول العربية، أظهرت أن نحو 30 في المائة من شعب تلك الدولة، لا يدركون معنى الوقف، وأن الغالبية يظنونه نوعا من أنواع أملاك الدولة، وبالتالي فإن إحياء مفهوم الوقف، وتوضيح أهدافه ومقاصده الدينية والدنيوية كما أسلفت، سيساعد إلى حد كبير على تحفيز الناس وتشجيعهم على وقف أصولهم، أو على الأقل المساهمة في المحافظة على الأصول الموقوفة، لا سيما أنه إلى جانب الأبعاد الدينية للوقف، هناك أبعاد اجتماعية أخرى كثيرة، تعمل في صالح استقرار المجتمع، ورفاهيته وتحسين مستواه المعيشي.
إن إنشاء هيئة عامة للأوقاف، سيساعد إلى حد كبير، في التغلب على مركزية اتخاذ القرارات المرتبطة، بإدارة الأموال الموقوفة، ليمكن ناظري الأوقاف، من إدارتها بطريقة فنية وفق ضوابط وأسس اقتصادية وتجارية واستثمارية شرعية، تحقق النمو المطرد في الأصول الوقفية، وبالذات أن قرار مجلس الوزراء، قد أسند عملية اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة الأوقاف، بعد أن تباشر الهيئة مهماتها ويشكل مجلس إدارتها، إلى جهة واحدة اعتبارية، تتمتع باستقلالية اتخاذ القرار، ما سيساعد على سرعة البت في القرارات الوقفية، لا سيما أن جزءا كبيرا من تلك القرارات، ينطوي على أبعاد استثمارية واقتصادية، تتطلب سرعة البت في القرار، لاغتنام أفضل الفرص الاستثمارية المتاحة وأحسنها.
إن قرار إنشاء هيئة عامة للأوقاف، جاء اتخاذه في ظروف عالمية اقتصادية ومالية مواتية للغاية، وبالذات حين ربط هذه الظروف، بتداعيات وتبعات الأزمة المالية، التي فتكت بعدد كبير من اقتصادات دول العالم، وأنظمته المالية والمصرفية والاستثمارية، ما استدعى إنشاء مثل هذه الهيئة، لتقوم بإدارة أعيان الأوقاف، التي تكون الهيئة ناظرة عليها، بأسلوب استثماري واقتصادي متعقل ومدروس، يوازن بين المنافع والعوائد الاستثمارية والمخاطر، الذي بدوره سيساعد على المحافظة على الأصول الموقوفة وصيانتها من الهلاك والدمار، بما في ذلك تنميتها.
خلاصة القول، إن إنشاء هيئة عامة للأوقاف في السعودية، سيعمل على تطوير الآليات الأساليب، التي تدار بموجبها الأوقاف في المملكة، لا سيما أن القرار قد منح الهيئة صلاحيات كبيرة، ترتبط بإدارة الأوقاف والتخطيط السليم لها، بما في ذلك رسم السياسات العامة الخاصة بالمحافظة عليها وتنميتها، من خلال استثمارها وفق أسس اقتصادية وتجارية، توازن بين أفضل العوائد والمخاطر المترتبة عن تلك العوائد.
أتطلع أن تبتكر الهيئة أساليب إدارية ومالية واستثمارية جديدة، تعمل على تعزيز القيمة الاقتصادية للأصول الموقوفة، بما في ذلك العوائد، وتشجيع أفراد المجتمع على الاستثمار الخيري في هذه الأوقاف، عن طريق مثلاً إصدار صكوك وإنشاء صناديق وقفية، ليعم الخير الجميع في الدنيا وفي الآخرة، والله من وراء القصد.