اليورو التاريخي وإدارة المخاطر المالية (1 من 2)

يعيش العالم اليوم تطورت مستمرة ودراماتيكية في التجارة الدولية والاستيراد والتصدير من ناحية التكاليف والمخاطر المترتبة على العمليات المالية نتيجة الاضطرابات الكبيرة في تركيبة الاقتصاد العالمي والأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة, ولعل أهمها اليوم ما يحدث في أوروبا من أزمات على مستوى الديون السيادية للدول الأعضاء التي بدأت في اليونان وما زالت دول أخرى في طابور الانتظار مثل: البرتغال, إسبانيا, أيرلندا, وإيطاليا. وفي ظني أن القائمة ستطول في ظل المعطيات الحالية لأداء اقتصادات أوروبا, وفي ظل التعاطي الحذر من الاتحاد الأوروبي لإيجاد حلول حقيقية لمعالجة هذه التطورات ومحاولة إيقاف كرة الثلج.
تلك المعطيات تتعدى مخاوف تأثير الأزمة في تلك الاقتصادات، وتتعداها إلى مدى تأثيرها في الاقتصاد العالمي, ومن أهمها ـ من وجهة نظري ـ تأثيراتها في أسعار صرف العملات بعدما شهد اليورو سعر صرف تاريخيا أمام الدولار خلال أربع سنوات بعد أن كسر اليورو حاجز 1.2 ليصل إلى 1.95 وهو قريب من أقل سعر منذ آذار (مارس) 2006 عند 1.92. وتشير توقعات المحللين إلى أن استمرار هبوط اليورو أمام الدولار سيستمر خلال الأشهر المقبلة في ظل معطيات الاقتصاد الأوروبي ومخاوف استمرار أزمة الديون السيادية في دول أوروبا الأخرى المهددة، وهو ما جعل العملة الأوروبية تتراجع أيضا أمام عملات أخرى كالجنيه الاسترليني والفرنك السويسري.
لذلك فإن هذه المتغيرات في أسعار الصرف, بغض النظر عن الأسباب التي تسببت في ذلك التذبذب, تجعل التجارة العالمية تحت مخاطر التذبذب في أسعار الصرف وتأثير ذلك في مستوى ميزانيات الشركات, بحيث إن هذه التقلبات ـ بلا شك ـ تنعكس على مستويات المخاطرة للشركات المنتجة والمصدرة والمستوردة, أي جميع الشركات التي تمثل الدائرة للعملية التجارية. لذلك فإن أي شركة تحمل في ملفاتها مستوى مخاطرة معينا مرتبطا بحجم ومكان وزمان عملياتها التجارية, لذلك فإن الشركات الكبيرة والمتعددة الجنسية MNC تملك إدارة خاصة لإدارة المخاطر الناتجة عن فرق العملات تحت جميع الظروف, لذلك فإن أهم ما تطبقه تلك الشركات هو التحوط ضد مخاطر تقلبات أسعار العملات العالمية, خصوصا تلك التي تتعامل بها الشركات.
والتحوط في العمليات المالية, أو ما يسمى إدارة المخاطر المالية، هو أخذ موقع مالي لتقليل المخاطر الناتجة عن الدخول في عمليات تجارية بعملات مختلفة، والهدف من ذلك حماية أرباح أو تكاليف الشركة الناتجة عن تغير الأسعار، وهو ما يحدث فعليا على أرض الواقع. فعلى سبيل المثال, الشركات الأوروبية العاملة في اقتصادات تتعامل بالدولار يجعل إيراداتها تواجه مخاطر تذبذب اليورو أمام الدولار والعكس بالنسبة للشركات الأمريكية.
وتشير أرقام بنك التسويات الدولي The Bank for International Settlements BIS إلى ارتفاع كبير في عمليات التحوط في العملات بين دول العالم. فعلى سبيل المثال, بلغ مجموع عمليات التحوط نحو 49.196 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2009 بينما كانت 29.289 مليار دولار للفترة نفسها من عام 2004. جاءت سوق العقود الآجلة 23.129 مليار دولار لكانون الأول (ديسمبر) 2009، بينما كانت 14.591 مليار دولار للشهر نفسه من عام 2004، بينما تمثل سوق الخيارات للعملات ما مجموعه 9.558 مليار دولار لكانون الأول (ديسمبر) 2009 بينما كانت 6.115 مليار دولار للشهر نفسه من 2004. والواضح أن تقرير بنك التسويات الدولي نصف السنوي المقبل في حزيران (يونيو) 2010 سيشهد ارتفاعا كبيرا في عمليات التحوط في ظل ما تشهده العملات من تذبذب منذ بدء عام 2010 وكذلك النظرة المستقبلية لتلك العملات.
الاقتصاد العالمي يحفل بكثير من الأمثلة عن مدى تأثير استخدام المشتقات المالية في العمليات التجارية للشركات، واستعراض التجارب التي حدثت للشركات العالمية الناتجة عن التذبذب في أسعار العملات الرئيسة, وكذلك الآثار التي خلفها التغير ذاته في مستوى تكلفة المشاريع أو أرباح الشركات. وفي مقال الأسبوع المقبل سنلقي الضوء على أحد الأمثلة لما يمكن أن تسببه العمليات المالية من تأثير في ربحية الشركات وفي جدوى مشاريعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي